لطالما تمنّيتُ أن نكون مع جيلنا في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، قد أخطأنا الهدف وضللنا الطريق، عندما اعتنقنا أفكار القومية العربية، باعتبار أنّ الأمة العربية واحدةٌ وخالدة، حسب شعارات حزب البعث العربي الاشتراكي، فقد كانت هذه الأمة محطّ عزٍ وافتخارٍ بتراثها ولغتها وأدبها وشعرها وأحسابها وأنسابها ومكارمها وأديانها وحضارتها. ثمّ انعطفنا نحو الفكر الاشتراكي العالمي، باعتباره أوسع أفقاً، وأكثر انفتاحاً نحو آفاق العدالة والمساواة والاشتراكية والسلم العالمي.


تمنّيتُ أن يكون ورثتُنا، وقد ملأوا الأرض بأفكارهم الدينية ومعتقداتهم اللاهوتية أكثر صدقاً وإخلاصاً وإنسانية من القوميين والعلمانيين الذين، وبعد صراعٍ مرير، حصدوا الخيبات على ما يقربُ من نصف قرن، وتاهوا في صراعاتهم وأهوائهم وانشقاقاتهم، حتى خلا الجوُّ للعمائم والديكتاتوريات، فتمدّدت وبسطت سلطانها ما يقرب من أربعة عقودٍ من الزمن.


واليوم مع التمنيات التي لحقت بالخيبات، عُدنا القُهقرى، وها هي الأمبراطورية الإسلامية التي حلم بها الإمام حسن البّنا تتهاوى، والتّدخل الإيراني في مسام الأمة العربية قد ولّد صراعاً مذهبياً، كنّا وكانت الأمة قد توهمت أنّه أصبح وراءها، فإذا به يقضُّ مضاجعها من جديد، وهاهي الصراعات الدموية باشكالٍٍ وصيغٍ شتى تملأ الأرض على وُسع رحبها.وللأسف شاخ اليوم ،جيلُ الستينات والسبعينات بعد أن حمل على ظهره هموم عصره وصراعاته، وفوقها خيبات خلفه ومآسيه. تُرى.. من يُعيدُ اليوم وهج الشعارات القومية والاشتراكية، والصراع الطبقي، وأماني حركات التحرر، وأحلام السلام العالمي، ومنع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان. وتوازن الغذاء بين الجنوب والشمال، ومكافحة الجهل والأمية والتعصّب، والقضاء على مُسبّبات الصراعات الدينية الدموية، من يستطيع أن يقوم بهذا الحمل اليوم؟،بعد أن بُدّدت القوى التي حملت هذه الشعارات ردحاً من الزمان، ثمّ استُبيحت مقولاتُها، وطُمست شعاراتها بالجهل والشعوذة، ونُهبت خيراتُها تحت رايات الفساد والتقوى معاً.حتى بتنا نؤمن بأنّ أفضل ما يُلخّص وضعنا وإياهم ما ورد في أول سورة البقرة:


وإذا قيل لهم لا تُفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحنُ مُصلحون. ألا إنّهم همُ المُفسدون ولكن لا يشعرون.