تعالَ معي واضرب بطرف عينيك إلى ذاك الآتي من البحر الغارق في الله، وشواطئ موجه تأتيك بدون وجل، كدفقة الحنان التي تنعش قلباً رؤوماً فينبض حباً وتواضعاً في حقلٍ من حقول الحنطة والمدى، فترى سنابل من ذهب صاعدة، تنجدل بحبال ضوء شمس عاملة، ونازلة منهمرة، علماً وأدباً وأخلاقاً، إنه الأستاذ الفقيه ومدير معهد الشهيد الثاني في حوزة أنصار الجنوبية، السيد نسيم عطوي، الذي شاء الله أن يشرف على تربيتي وتعليمي لعدة سنوات، حتى ارتديت عمة الدين على يديه، فوقَّتُ بالشمس والظل وانعقاد الزهر، وانسياب نور العلم والأدب والأخلاق على وجنتيك الزهراء، يا حفيد فاطم الزهراء... مات الأستاذ، فبكيناه جميعاً، أجيالاً من علماء وطلبة، وفقراء ومحتاجين، وهو يبتسم لدموعنا لعلمه بحبنا له، بلا استثناء، لأنها ترسل أجفاننا له ألسنةً ناطقةً بالإعتراف بفضله، وبجميل الثناء على علمه وتقواه، وعلى عمله اليومي الدائم بلا منَّة، حتى في أدق تفاصيل كل طالب علمٍ ينتسب إلى ذاك المدد النوراني من مدرسة أهل البيت (ع) وزين أخلاقها في الإنسانية والحب والعطاء، فيكتب نور أخلاقه وعلمه في صحيفة تاريخه البيضاء آيات مرتَّلة في بيوت عاملة.... مات الأستاذ، وكان شريف النفس ونسيمها، متجمَّلاً بصفات الولاية، وولاؤه لأمير المؤمنين علي (ع)، وعشقه للأئمة المعصومين (ع) ولأنبياء الله، آخذاً نفسه بالدعوة إلى سبيل ربه بالعلم والحكمة والموعظة الحسنة ومخلصاً في دعوته وتعليمه وعلمه ومستعيناً بالله تعالى ومصدِّقاً وعده في قوله تعالى ـ إن تنصروا الله ينصركم ويثبِّت أقدامكم ـ إنه النسيم، ويبقى النسيم نسيماً، وما زرعته يداه في الأرض والعلم والقلب والعين، ونشتم رائحة ثوبه وجبَّته وعمامته المتوخاة من عمامة جده، فصنعت منه عالماً وفقيهاً، وإنساناً متواضعاً لترمقه أعيننا بالدهشة والإجلال، ونلمح في مراياه أعمارنا ووجوهنا التي اصطلينا دفئاً من مطر مواسمه، وبقينا نتوسَّد قمح بيدره وما فيه من علمٍ وورعٍ وخوفٍ، وما فيه من حَبٍ وحُبٍ لنزداد زاداً من حقول تقواه، ومضى السيد إلى ربه، وغادرنا إلى حيث يهوى من تراب العراق قرب جدث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) لتزهر تربته جنة أعدَّت للمتقين.. أيها العالم الراحل، طبت حيَّاً وميِّتاً، رحمك الله.