يرزح لبنان منذ خمسين يوماً تحت وطأة فراغٍ خطيرٍ، يطال رأس الدولة اللبنانية، الذي تنبثق عنه سائر المؤسسات الدستورية في البلد، بدءاً من رئاسة الحكومة، وانتهاءً بأصغر مرفقٍ تنفيذي، في حين دأب السياسيون الذين يجلسون على أرائك السلطة، ومعهم اؤلئك المتوثبين للجلوس عليها، على قرع ناقوس الخطر، ورفع الصوت بوجوب التنبه لمخاطر هذا الفراغ الرئاسي المتمادي، بعد عقد عشر جلسات انتخابية دون جدوى، حتى أنّ صوت نيافة البطريرك الراعي بُحّ من كثرة الوعظ والحضّ على انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، يُعاضده في ذلك سيادة المطران الياس عودة، أمّا الغيارى على المصلحة الوطنية العليا، فلم يتركوا مناسبة تمر دون التذكير بوجوب ملء الشغور الرئاسي، وصون البلد من مخاطر الشلل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، خاصة في وجود حكومة تصريف أعمال، ناهيك عن المخاطر الخارجية التي تقف على الأبواب مُنذرةً بشرّ العواقب.

تتركز عقدة انتخاب رئيس جمهورية جديد للبلاد عند تيار المقاومة والممانعة( الثنائية الشيعية) والتيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل، الذي استشاط غضباً لعقد اجتماعٍ لحكومة تصريف الأعمال بغياب رئيس الجمهورية، مع أنّه كان وما يزال في طليعة من يُعطلون انتخاب الرئيس الجديد، عبر تعطيل النصاب، يعضده في ذلك حزب الله والرئيس نبيه بري، وذلك بعد تهريب النصاب الذي يتخفون وراءه، وباتوا يُتقنون افتعاله، والمُضيَّ فيه، ووضع المجلس النيابي تحت سلطتهم، ووِفق إرادتهم ورغباتهم، يُفتحُ ساعة يشاؤون، ويُقفل ساعة يشاؤون، جرياً على سيرة أحد الخلفاء الأمويين، الذي خاطب رعيته بالقول: نحن الذين ارتضانا الله تعالى لقيادتكم، فأسلمَنا مفاتيح خزائنه، إن نشأ فتحناها، وإن نشأ أقفلناها.