حسمت الأحزاب التي مرّت على لبنان موقفها من مناسبة إستقلاله عن فرنسا واعتبرت يوم 22 تشرين الثاني يوماً مسرحياً لبنانياً بإخراج فرنسي ولم يهضم الشيوعيون والقوميون مرحلة الإستقلال وعلّموا أتباعهم بأن يوم الإستقلال ما هو إلاّ مرحلة جديدة من مراحل الإستعمار الفرنسي كما أن الإسلاميين لا يؤمنون أصلاً بالدولة الوطنية عوضاً عن الإستقلال الذي عزّز من الإحتلال الفرنسي للبنان . لذا نما جيل كامل من السياسيين على عداوة مع الإستقلال وهذا ما ترسخ بأذهان الأجيال المتلاحقة وهذا ما كرّس كُرهاً للإستقلال من قبل الفئات الإجتماعية والطائفية المنحدرة من أصول سياسية يسارية وقومية ومذهبية وإسلاموية . عكست الحرب الأهلية صورة اللبناني المنتقم من هويته الوطنية بواسطة وسائل القتل جرّاء التربية الحزبية التي وضعت في رأس المقاتلين كذبة قيام وطن مستقل وزرعت في قلوبهم حقداً دفيناً ضدّ الدولة المصنوعة بأيادي المستعمرين ففاق اللبنانيون بعضهم البعض في تدمير لبنان حجراً حجراً . حتى الأحزاب المسيحية المتصلة بالإستقلال من موقع الإمتداد له كانت على عدائية ناشطة بالدولة فتمّ تفريغها من محتواها لصالح الهيمنة ومن ثمّ لصالح الحرب التي قضت على الإستقلال وشرّعت أبواب لبنان لصالح أكثر من مستعمر ومستحمر . على خُطى الأحزاب المستعدية للبنان المستقل تابعت أحزاب الطوائف أعمال تخريب ما تبقى من هيكل الإستقلال لصالح إستعمارات عربية وأعجمية بحيث بات الإستعمار الفرنسي المؤسس للبنان المستقل أقل مستعمر نافذ في السياسة اللبنانية وباتت الإستعمارات الحديثة أكثر تأثيراً في الحياة السياسية اللبنانية وهذا ما جعل من الإستقلال مجرد عطلة لعاطلين عن الإستقلال . يبدو التكاذب السياسي والطائفي المنتشر وسط الإستقلال أقرب ما يكون إلى ديكور مطلوب لمناسبة ممقوتة من اللبنانيين حتى المسيحيين المغالين بالإمتيازات الوطنية ومن صلبها الإستقلال باتوا على مسافة قريبة من المسلمين الكافرين بالإستقلال بل دفعت بهم مصالح رموزهم من الكبير كميل شمعون المستجير بأميركا إلى الصغير باسيل المستجير بالسوري والإيراني والفرنسي بحسب أهوائه العونية بغية بيع الإستقلال لأي مستعمر يوصله إلى القصر إلى تكريس إحتلالات جديدة . من سمات الهوية الوطنية إحترام أيام المجد وإحيائها بروح المسؤولية لتقدير جهود بُذلت من أجل السيادة وتعزيز ذلك في التربية بكل حقولها كي لا تُحمى من قبل الأجيال لا لكي تُقتل من قبل الأجيال المتعاقبة تماماً كما فعل جيل الحرب وإستمرت أجيال ما بعد الحرب على سُنة القتل وإفتقدت بذلك مزايا الهوية الوطنية وإكتسبت مساوىء الهوية الطائفية والمذهبية وهذا ما دمر البنية الإجتماعية وفتّت من الوحدة الوطنية وجعل من لبنان وطناً غير مستقل .