بعد أن دعا مفكر البرجوازية اللبنانية الراحل ميشال شيحا اللبنانيين إلى الرخاء والثراء غداة استقلال لبنان عام ١٩٤٣، بعبارته المشهورة: (Enrichissez-vou)، أي أثروا، أجابه المفكر الراحل يوسف السودا مُعترضاً بقوله: "الرخاء، النقد، المال، الأسعار، البنايات، السيارات، المطار، المرفأ، مصبّات البترول، المصارف الصناعة والتجارة، الفنادق، علب الليل، كلها مادة، مادة، مادة، تبهر العين، تملأ الجيب، تشبع الجسد، أمّا الروح؟! أين الروح في كل هذه المضاهر، لا معنى للإستقلال، ما لم تنثر أشعة الروح حروفها عليه". طيّب الله ثراك أيها المفكر العظيم، لكن، ما اشتكيت منه وتذمّرت غداة استقلال لبنان عام ١٩٤٣، أصبح اليوم عشية استقلال عام ٢٠٢٢ أثراً بعد عين، بدل الرخاء حلّ الفقر والبطالة والبؤس، النقد في حالةٍ ميؤسٍ منها، الليرة اللبنانية ترتجف ذعراً أمام الدولار الأمريكي صباح مساء، المرفأ، دمّره انفجار الرابع من شهر آب قبل عامين، على يد الطبقة السياسية الفاسدة التي تحكم هذا البلد المنكوب، وأودى بمئات الضحايا وآلاف الجرحى والمُشرّدين، مع خراب نصف العاصمة بيروت، المطار، محط نهب مافيات التهريب، مصبّات البترول مُعطّلة وخرِبة، الصناعة والتجارة والفنادق ليست على ما يُرام، المصارف على شفير الإفلاس، لم يتبقَّ ربما سوى علب الليل، أفضل حالاً من أخواتها وإخوانها، ما كان يبهر العيون، انطفأ مع انقطاع الكهرباء الدائم، وما كان يملأ الجيب، لم يعد كافياً لسدّ خِلّة جائع. تساءلت أيها المفكر الراحل بحقّ: أين الروح؟ كي تنثر أشعتها على المادة، فتبعثها حيّةً ناطقة، أردت يومها أن تُنذر اللبنانيين بأنّ المادة وحدها لا تبني وطناً، ولا تُحيي استقلالاً، معك اليوم كلّ الحقّ والصواب أكثر ممّا كان قبل حوالي ثمانين عاماً مضت، ها هي المادة ذهبت مع الريح، لأنّها كانت تفتقد إلى روحها، الروح التي عبثت بها مصالح تجار السياسة والسلاح، مصالح المُرابين والسماسرة والصرّافين، وقادة الميليشيات الذين تواثبوا على أرائك السلطة، فذهب الاستقلال اليوم جسداً وروحاً، حتى مظاهره ولّت، ولم يبقَ سوى الندب والعويل في مجلسٍ نيابيٍّ عاجزٍ عن ملء الفراغ الرئاسي، وإعادة الروح للقصر الرئاسي في بعبدا، وها نحن اليوم نتحسّر على أيامكم الخوالي، سقا الله تلك الأيام وأعادها، لكن هذه المرة مع الروح، لأنّه ثبت بأن لا حياة ولا قيامة بلا روح، رحم الله روحك في عليائها لمناسبة عيد الاستقلال التاسع والستين، وعاش لبنان سيّداً حُرّاً مستقلّاً.