للشاعر الراحل نزار قباني قصيدة معروفة بعنوان:"الرسم بالكلمات" وتنتهي بقوله: كلّ الدروب أمامنا مسدودةٌ وخلاصنا بالرسم بالكلمات. هذه هي حال اللبنانيين اليوم كحال الشاعر السوري الراحل نزار قباني: كلّ الدروب مسدودة، لا رئيس جمهورية جديد في بعبدا( لم يعد ثمة فرقٌ يُذكر بين قويٍّ وضعيف)، كي يحفظ الدستور والقانون والنظام والكيان، لا حكومة كاملة الصلاحيات في السراي الحكومي، ولا حكومة إنقاذية عتيدة في المدى المنظور، مجلس نيابي مُشرذم عاجز عن انتخاب رئيس جمهورية جديد للبلاد، يتزعمه سماسرة وبقايا ميليشيات، وتجار الدم والسلاح غير الشرعي، الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنمائية تتناسل من بعضها البعض، بلا رادعٍ أو رقيب، كارتيلات ومافيات المواد الحيوية ينشطون في الإحتكار والتهريب في الداخل والخارج، ولعلّ هذا ما جنتْهُ يد اللبنانيين الذين أولوا هذه الطبقة السياسية الفاسدة الولاء والبراء، ومنحوها الشرعية في الإنتخابات النيابية الأخيرة، وسمحوا لها أن تعيث فساداً وخراباً في النظام والكيان، ولعلّ بدايتها كانت في منتصف العام ٢٠١٥، عندما كان الرئيس نبيه بري يرعى ذاك الحوار العقيم بين حزب الله وتيار المستقبل، مع علمه الأكيد بأنّ هذا الحوار لن يُجدي نفعاً، ولن يُقيم حقّاً، ولن يهدم باطلاً، وما هو إلّا لتعمية الأبصار عن مجريات الفساد والمحاصصات ونهب المال العام، وصرّف النفوذ وتكديس الثروات، وقابلَ هذا الحوار حوارٌ آخر بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، وهذا الحوار رعاه إثنان من المداهنين المراوغين: النائب إبراهيم كنعان من التيار الوطني الحر، والنائب ملحم رياشي من القوات اللبنانية، ومن نتائجه الكارثية تلك التسوية الرئاسية التي حملت الجنرال ميشال عون إلى سدّة الرئاسة الأولى، والتي ما لبثت أن أودت بالبلاد إلى جهنم وبئس المصير، وبات اليوم معلوماً أنّ الحوار لم يهدف في الأساس لتنبيه المسيحيين لما ينتظرهم من كوارث ومصائب، بل كان كما زعم وروّج له دُعاتُه هو درء المخاطر عن المسيحيين، وإذ به للأسف الشديد لم يؤدِّ سوى إلى الخراب والإنهيارات الشاملة، وزيادة "عمى" قلب المسيحيين ومعهم سائر اللبنانيين، وها نحن اليوم أمام الدروب المسدودة، اللهم سوى أبواب الهجرة المُتاحة بصعوبة كبرى، ومن بينها الهجرة غير الشرعية، حيث يُلقي اللبنانيون أبنائهم في بحرٍ زاخرٍ لا يرحم ولا يستكين