أولاً:

 الثورة ضد الشاه...


قبل ثلاثة وأربعين عاماً، انتفض الشعب الإيراني ضد النظام الملكي البهلوي، وكانت الانتفاضة حاميةً في الشارع بين أجهزة النظام، والجماهير الغاضبة، التي كانت تحلم بإيران جديدة، تسودها العدالة الإجتماعية، وتحلم بنهاية حكم الإستبداد والأجهزة البوليسية، كانت الجماهير تطالب برحيل الشاه، رمز النظام، وقد أجمعت مختلف فصائل الثورة على هذا المطلب، إلّا أنّها كانت تفتقد لرؤية واضحة عن شكل النظام الجديد الذي سيخلف النظام الملكي.
لم يتخلّ الإمام الراحل روح الله الخميني حتى العام ١٩٦٠، ومع انتقاداته للشاه والحكومة، عن نظام الملكية الدستورية، ولم يقترح بديلاً عنها، وكان لا يزال يُقيم فصلاً بين سُلطتي المرجعية الدينية من جهة، والدولة من جهة أخرى، إلّا أنّ هذا الأمر اختلف بعد نفيه إلى العراق ومن ثمّ إلى باريس، ويقول أبو الحسن بني صدر( أول رئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية) أنّ الخميني كان يتحدث في باريس عن نظام جمهوري يشبه نظام الجمهورية الفرنسية، ثم ما لبث أن غيّر رأيه خمس مرات  فقد كان يرى ( كما أكّد خليفته المعزول حسين علي منتظري) بأن لا ولاية لرجال الدين على الآخرين، ليتحدث بعد ذلك عن "ولاية الشعب"، وبعد عودته من المنفى، واستلامه السلطة، انتهى به الأمر إلى الولاية المطلقة للفقيه.

 

ثانياً:

 الثورة التي أكلت أولادها...

اغتالت الثورة معظم أبناءها الذين شاركوا فيها، بالإقصاء والإعتقال والإعدام، عُزِل ابو الحسن بني صدر(أول رئيس جمهورية) وتمكن من الهرب إلى فرنسا، ورافقت عمليات الإنتقال من النظام الملكي البهلوي إلى نظام الولي الفقيه، حملات اعتقالٍ  وقمعٍ وإعدامات، وكان أول المعترضين حسين علي منتظري(المُسمّى خليفة الإمام الخميني)، إذ انتقد بصراحة قوى الأمن ومصلحة الاستخبارات  لمعاملتهم السيّئة للشعب، وخاصة المعتقلين السياسيين، وحدثت قطيعة بينه وبين النظام والحكومة، التي يشرف عليها الخميني في خريف العام ١٩٨٨، عندما نُفّذ حكم الإعدام بآلاف من المعارضين المعتقلين، ووجوه ورجالات النظام الملكي، واعترض منتظري على إحداث مجلس تشخيص مصلحة النظام في العام ١٩٨٨، وبعد ذلك وفي العام ١٩٨٩ أقال مجلس الخبراء منتظري من وظيفته كخليفة للمرشد، فأمره الخميني عندئذٍ بالاهتمام بأصول الدين وترك السياسة.

 

ثالثاً:


 الدخول بعمقٍ في أزمات المنطقة العربية...


غالت الجمهورية الإسلامية في إيران بعد وفاة الإمام الخميني  وانتهاء الحرب العراقية- الإيرانية  في التدخل بأزمات المنطقة العربية، واستكمالاً لنهج تصدير الثورة "البائس"، عمدت إيران عبر الحرس الثوري إلى الإنغماس في الحروب المشتعلة في اليمن والعراق واليمن وسوريا، لِيُعاني اقتصادها من أزمة مالية خانقة، وما لبثت أن دخلت في دوامة صراعٍ لا ينتهي مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية حول برنامجها النووي، وما يجرّه عليها من حصارٍ وتضييق وأزمات تتناسل من بعضها البعض.

 


هذه الأيام الحالكة، شارفت انتفاضة "الحجاب" على شهرها الثاني  بعد مقتل الشابة مهسا أميني، على يد أجهزة النظام القمعية، ولا يبدو حتى الآن أنّ هذه الانتفاضة الشعبية ستتوقف قبل زعزعة النظام، وإجباره على التراجع عن سياسة القمع ومصادرة الحريات، وتبديد ثروات المجتمع ذات اليمين وذات الشمال، هذا إن لم يكن النظام الخمينيُ  قد شاخ وعجز وأشرف على نهاياته المحتومة بالهلاك والزوال، وأن قد فات الأوان، والله غالبُ أمره.