كما كانت الكلمة في البدء، كذلك كان الحوار، والحوار هذه الأيام عند الرئيس نبيه بري وسائر السياسيين اللبنانيين هدفه الوحيد ملء الشغور الرئاسي والشغور الحكومي، كلّما ادلهم خطبٌ، أو عصفت مصيبةٌ بالشعب اللبناني، يتداعون للحوار، ويوهمون الناس أنّ مجرد جلوسهم على طاولة واحدة هو الترياق الأحيا، ومجرد أن يقبل بعض القياديين الحزبيّين، المُدجّج بعضهم بالسلاح "الشرعي"، وبعضهم الآخر بالعصبيات الطائفية والمذهبية، أن يجلسوا مع سائر الفرقاء "المسالمين" كالتّغييرين والمستقلّين ومن شابههم، فهذه تعتبر تضحية عظيمة، ونعمة تستوجب الحمد عليها،  ويبقى انعقاد الطاولة مرتهناً بمزاج الرئيس نبيه بري، وصِحّته الجسدية والنفسية معاً، وهم عندما يجتمعون تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى، فمنهم من لا يحسب سوى حساب سلاحه "الشرعي" وديمومته مُسلّطاً على رقاب العباد، ومنهم من لا يحسب سوى حساب مصالحه الحزبية الواسعة أو الضيقة لا فرق، ومنهم من لا يحسب سوى الحسابات الطائفية والمذهبية، ومنهم من لا يحسب سوى حساب منافعه الشخصية والفردية، ومنهم طبعاً الغافلون الصابرون، على قِلّتهم، والطاولة عند الجميع، وفي نهاية الأمر ما هي إلاّ لذرّ الرماد في العيون، العيون التي لم تُصب بالعمى حتى الآن، أمّا مصالح الدولة اللبنانية الشرعية، وملء الشغور في المؤسسات الدستورية، فيرمونها وراء ظهورهم قبل أن يتحلّقوا حول طاولة "الحوار"، ليبقى سيد الطاولة وما تحتها المارد الذي لا يُقهر: إنّه الفساد، وحلفاؤه" نهب المال العام واحتكار السلطة والمناصب، ولا بأس بعد ذلك من تزيين طاولة "حوار" بالورود الزاهية والأماني الخائبة، وعشتم وعاش لبنان.