كان المُشترع اللبناني قد وضع في عهدة مجلس النواب مهماتٍ جسام، لعلّ أبرزها انتخاب رئيس الجمهورية، وما لبث اتفاق الطائف أن أعطاهُ مكرٌمة إضافية، وهي حق تسمية رئيس الحكومة، فضلاً عن مراقبة كافة إجراءات السلطة التنفيذية، وسنّ القوانين والسهر على حسن تطبيقها، وله كلمة الفصل في تفسير الدستور وتعديله، حتى حقّ للرئيس نبيه بري أن يتفاخر ذات يوم بأنّ المجلس النيابي سيد نفسه.

 


بعد انتهاء عهد الوصاية السورية على لبنان عام ٢٠٠٥، ها هو المجلس النيابي يفشل للمرة الثالثة في انتخاب رئيس جمهورية جديد، دون تدخل خارجي في المرة الأولى عام ٢٠٠٨، عندما انتُخب الرئيس ميشال سليمان بعد مؤتمر الدوحة، وفي المرة الثانية عام ٢٠١٦ انتُخب الرئيس ميشال عون بمعجزة داخلية، بعد اتفاق معراب بين عون وصهره والقوات اللبنانية، واتفاق باسيل مع سعد الحريري الذي بقي بلا عنوان، أمّا اليوم ومع موعد رحيل الرئيس عون بعد أيام معدودات من قصر بعبدا، فقد فشل النواب في انتخاب رئيس جمهورية جديد للمرة الرابعة على التوالي،  تراهم يدورون على أنفسهم في ردهات المجلس وخارجه، تحسبهم نواب اختارهم الشعب لتمثيله خير تمثيل، إذ بهم وقد تحولوا إلى "مسوخ" نواب، بين أيدي أقطابهم وزعمائمهم وطوائفهم، فضلاً عن مصالحهم وأهوائهم، ويظهر أنّ عجزهم عن الإهتداء إلى جادة الصواب هو من قبيل العجز الدائم، بعد أن لازمتهم حالة المسخ، والمسخُ من الناس: الذي لا ملاحة له، ومن اللحم: الذي لا طعم له  ومن الطعام: الذي لا ملح له ولا طعم ولا لون، أمّا في التراث الديني، "فالخنازير" قومٌ من بني إسرائيل قد اعتدوا في السبت، كما يذهب إبن كُثيّر في تفسيره  والمسخ لم يقتصر على الخنازير عند الفقيه القمّي: فالله كان قد مسخ عدداً من المسوخات: الفيل والدب والأرنب والعنكبوت والعقرب، والقرد والخنزير، وقائمة طويلة، فالفيل مُسخ لأنّه كان ملكاً "زنّاءً لوطيّاً"، والدب لأنّه كان رجلاً ديوثاً، والأرنب لأنّها كانت امرأةً تخون زوجها، والعقرب لأنّه كان رجلاً نمّاماً، والزنبور لأنّه كان لحّاماً يسرق في الميزان، وهكذا قِسْ على سائر المسوخات.

 

 
لذا، يا نواب لبنان، سارعوا إلى انتخاب رئيس جمهورية جديد، لتنتظم سائر المؤسسات الدستورية، وليُحاذر أحدكم أن يكون مسخاً لا ملاحة له ولا طعم ولا لون، فلا يكون كالفيل ملكاً زنّاءً، أو ديّوثاً أو لحّاماً يسرق في الميزان، عندها لا كانت النيابة ولا إسمها ولا رسمها، إذا كانت ستجرّ على النائب "الحرّ الكريم" الإمتهان والخذلان والمسخ.