في بحثٍ خاص بالأنظمة الهجينة للأستاذ بجامعة الخليل بلال الشوبكي، يخلص فيه إلى أنّ أي نظام سياسي يعتمد إجراءات الإنتخابات النيابية كأحد مظاهر الديمقراطية، مُترافقة مع سياسات سُلطوية، ما يُفضي لوصفه بالنظام الهجين، ومن ثمّ يجزم الباحث بأنّ أغلبية دول المشرق العربي تدخل ضمن هذا التوصيف، أي أنها دول هجينة.

 


أولاً: في تعريف الهجينة...


الهُجنة في الكلام: ما يُعيبُك، والهجين: العربي ابن أَمَة، لأنه معيب، وقيل هو ابن الأَمة الراعية التي لم تُحصّن، فإذا حُصّنت فليس الولد بهجين، وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: الهجين الذي أبوه خير من أُمّه، وقال المبرد: قيل لولد العربي من غير العربية هجين، والهجين من الخيل: الذي ولدتْهُ برذونة من حصانٍ عربي.

 


ثانياً: الدول الهجينة وصناعة الرموز...


مع ميل الباحث للتركيز على أوضاع البلاد العربية التي شهدت انتفاضات ضد الإستبداد والديكتاتورية، فإنّه لم يذكر لبنان بخيرٍ أو شر، لكن من خلال توصيف النظام الهجين كعاملٍ مُنتجٍ للكيانات الفئوية التي تقود إلى مزيدٍ من التفكيك في بُنى المجتمع، يتقدم لبنان، حسب ما نزعم  ليكون في طليعة البلدان الهجينة في المشرق العربي، ذلك أنّ أبرز الأعراض التي يعانيها نظام سياسي هجين، أن تكثر فيه الطوائف المتباينة أو المتناقضة، والتي تنحو نحو صناعة الرموز( جبران باسيل بدل عون، حسن نصرالله، نبيه بري، سعد الحريري، وليد جنبلاط)، وهذه الرموز هي ضرورة تستدعيها الحاجة إلى اختلاق هوية جامعة لأبناء طائفةٍ ما، ويشترك العراق مع لبنان في صناعة الرموز، وغالباً ما تكون هذه الرموز عاملاً مُحفّزاً لاستمرار التطاحن الداخلي، فتدّعي أو تختلق إنجازاتٍ وطنية أو طائفية، وتنسبها لنفسها( جبران باسيل نموذج مثالي)، أو تلجأ لتلميع صورة بعض الزعامات الطائفية في عمليات أشبه ما تكون بالتّصعيد(تأبين القادة الشهداء ورفعهم لمصاف القديسين) كما يظهر غالباً في خطابات امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله.

 


ثالثاً: النظام الهجين..إحتكار سياسي لتمثيل الإرادة الشعبية...

 


في النظام الهجين تعمل الجماعات السياسية الناشطة، سواء كانت أحزاباً أو منظمات أو تيارات على احتكار تمثيل إرادة الشعب، وادعاء أنّ التيارات السياسية الأخرى، دخيلة أو طارئة على المجتمع، أو عميلة أو خائنة( المعارضة الشيعية مثالاً نموذجيّاً)، وما يستتبع ذلك من إلغاءٍ وإقصاء، وهذا من خصائص النظام السياسي الهجين.

 


رابعاً: لبنان في طليعة الدول الهجينة...


للأسف الشديد، تُظهر الأزمات السياسية المتلاحقة في لبنان هذه الأيام، من عرقلة تشكيل حكومة جديدة، إلى استعصاء انتخاب رئيس جمهورية جديد، وضع لبنان في طليعة الدول الهجينة  التي تُنتج "ديمقراطية" فيها ما يكفي من العيوب والعثرات، لِتسمح لفئة أو منظمة أو حزب، لتتوافق وتتآلف على قضية واحدة مُعيّنة( لعلّ الفساد في مقدمها، أوتعطيل الاستحقاقات الدستورية)، ليتّضح أنّ هذه المنظمات والفئات (ومن ضمنها الأحزاب)، تلجأ وهي تقوم بعمليات النهب والإعتداء على المال العام والخاص، اللجوء إلى أساليب السّحرة، إذ يعمدون إلى تصوير الصراع على انّه خلاف سياسي أو طائفي أو فكري، أو إيديولوجي، لضمان عمليات الفساد التي تجري بعيداً عن الأنظار.

 


مبروك لهذه الطبقة السياسية الفاسدة والهجينة، العاجزة عن انتخاب رئيس جمهورية جديد، إنتاجها العظيم لنظامٍ "هجين"، يُطيح أول ما يطيح بمستقبل المواطن ومصالحه العليا، ليضلّ هذا النظام أصيلاً في الإستبداد والفساد.