أولاً: العصر الفارسي الأول...

 


يقول جرجي زيدان عن العهد العباسي بأنّه كان العصر الفارسي الأول، حيث تحقّق التّأثر بالعناصر الشرقية في أشدّ الميادين اختلافاً، فأهمل الخلفاء أصالة الدم العربي، فكان لبعضهم "أمّهاتٌ حرائر"، ولبعضهم الآخر أمّهاتٍ من أجناسٍ مختلفة: بربرية( المنصور)، وفارسية (المأمون والواثق والمهتدي)، ويونانية( المنتصر)، وسلافية(المستعين)، وتركية( المكتفي والمقتدر). وقد ترافقت هذه الظاهرة مع ظاهرةٍ أخرى  وهي أنّ العناصر الفارسية والتركية طفقت تحلّ محل الأرستقراطية العربية، وما أسهم في إحداث التبديل نحو العصر الفارسي كان في المرتبة الأولى: إنشاء الوزارة، مع ما يواكبها من كُتّابٍ يؤخذون من بين الفرس المثقفين، وثانياً: تحويل مركز الخلافة العباسية شرقاً واعتماد بغداد عاصمةً للخلافة، وتزعّم عندها الفرس الحركة الفكرية والثقافية والفقهية: أبو حنيفة، حمّاد، بشار بن برد، سيبويه، الفرّاء، أبو عبيدة معمر، أبو العتاهية، وكان إبن خلدون قد ذهب في بعض مبالغاته إلى أنّ علماء المسلمين هم من العجم، وذكر أحمد أمين في كتابه "ضحى الإسلام" ما للألفاظ الفارسية من تأثيرٍ في اللغة العربية والأدب العربي، فقد هضم العرب الأدب الفارسي، وظهر ذلك في شعر الغزل الذي تسرّب إليه الفحش الصريح( بشار بن برد وأبو نواس)، مقابل ذلك نزعة زهدية عند أبي العتاهية، وشاع التأثير في الألبسة؛ السروال والقلنسوة والقفطان  العباءة والطيلسان، وظهر الإهتمام المُفرط بفنون الحِلية والزِينة (النويري في نهاية الأرب)، أخبار النساء(إبن قيّم الجوزية)، والإهتمام المفرط بالأغذية( المسعودي في مروج الذهب)، والإهتمام بالندماء وأسباب الرفاهية والموسيقى( إسحاق الموصلي)، والإهتمام بمجالس الشرب والظرفاء واللعب( الشطرنج والنرد، السلوجان، الصيد بالباشق، الحمامات الفخمة( يُراجع في كل ذلك أحمد أمين في ضحى الإسلام ).

 


ثانياً: انحطاط العصر الخميني الحالي...

منذ انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الراحل روح الله الخميني مطلع ثمانينيات القرن الماضي في بلاد فارس، لم يصلنا منها( في بلاد العرب) سوى قعقعة السلاح، وطموحات توسعية تقتدي بما سبقها من أطماع أمبريالية تزعمتها الولايات المتحدة الأمريكية طويلاً، قبل أن تُنازعها هذه الزعامة روسيا اليوم، وللأسف الشديد لا تلوح في الأفق أيّة ملامح لمظاهر أدبية أو فقهية أو نهضوية أو حداثوية، لم يفِد مع السلاح من بلاد فارس الخمينيّة سوى شعائر وسلوكيات مُتزمّتة ومُتحجّرة، كانت الأمة العربية قد تجاوزتها منذ عصر النهضة، قبل أن تعمل على إعادتها الحركات الأصولية الإسلامية، فزرعت التّخلف والعنف في مسام الجسم العربي، قبل أن تُوافيهم "أصولية شيعية" من أقاصي الشرق الفارسي، لتزيد الطين بِلّة والبلاء بلاءً شديداً.