إنّها مسألة 3 أسابيع لا أكثر: رئيس جديد أو لا رئيس؟ وعلى هذا الجواب سيتقرَّر اتجاه الكثير من التطورات.


يصرّ الرئيس ميشال عون على القتال حتى اللحظة الأخيرة. وهو يبذل كل جهد ليتوِّج عهده بإنجاز معيَّن ويثبت أنّه كان فعلاً «الرئيس القوي»، كما وعد قبل 6 سنوات. ولكن، من أين يبدأ هذا الإنجاز، إذا كان البلد في وضعية انهيار يصعب الخروج منه.
على المستويين السياسي والحزبي، استطاع عون أن يحقق «المكاسب» في السنوات الـ6 الفائتة. ولكن لا شيء جرى إنجازه على مستوى الجمهورية. وهذه ثغرة يريد عون إقفالها، ولو في الأيام الأخيرة من الولاية، إذا استطاع. واتفاق الترسيم ربما يكون الفرصة الوحيدة.


عندما جاء عون إلى السلطة، كان يقول إنّ الرؤساء السابقين بعد الطائف كان يتمّ اختيارهم ضعفاء أو يتمّ استضعافهم في مواقعهم، بعدما جرّدهم الطائف من صلاحيات حيوية.

 

أخذ عون على عاتقه استعادة هذا التوازن المفقود، فتعهّد بأنّه سيستعيد قوة الرئاسة والمشاركة المسيحية الفعلية في النظام. وفي عبارة أخرى، تعهّد بإجراء تعديلات على الطائف تتيح لرئيس الجمهورية أن يسترجع بعضاً من قوة كان يتمتع بها. ويعني هذا التعهّد ثأراً لهزيمة العام 1990، عندما أخرجته من بعبدا «جيوش» الطائف العسكرية والسياسية.


حينذاك، كانت القوى الدولية والإقليمية كلها تريد الطائف، وكان السوريون يستعدون لتطبيقه على طريقتهم، وفي جيبهم «توكيل» من الولايات المتحدة والعرب والأوروبيين.
في العام 2005، عاد عون إلى لبنان وفي نيته معاكسة «القدَر القديم» والتخلّص منه. فتحالف مع القوة الوحيدة التي يمكن أن تشاركه الثأر من الطائف، أي «حزب الله». وبالفعل، وفَّر له «الحزب» تغطية سمحت له بأن يتمتع بأكبر كتلة نيابية وأقوى مشاركة في الحكومة عدداً وحقائب، ومنحته القدرة على مواجهة رئيس الحكومة.

 

لكن «الحزب» تعاطى مع الطائف وموقع الرئاسة بشكل براغماتي. وفضّل صيغة دعم الرئيس سياسياً، من دون تعديل النص الدستوري لسببين: أولاً لأنّ لا قدرة لأحد على اللعب بنص الطائف إلّا ضمن عملية إعادة نظر شاملة، وبعد الحوار بين الجميع. وثانياً، لأنّ «الحزب» نفسه كان رافضاً للعديد من الصلاحيات القديمة أو «الامتيازات» التي تمتع بها رئيس الجمهورية قبل الطائف.


في خلاصة تجربة الـ6 سنوات، ما زال عون يبحث عن «القوة» له ولفريقه السياسي ولموقع الرئاسة. وهو يخرج من بعبدا في تشرين الأول 2022، وكأنّه محاصرٌ مجدداً بالقوى الدولية والإقليمية نفسها التي حاصرته في تشرين الأول 1990. والفارق الوحيد هو أنّ «حزب الله» هو اليوم الأقوى، وهو حليفه ولن يسمح بنفيه إلى خارج اللعبة السياسية.

 

ما يريده عون، وهو يستعدّ للخروج من بعبدا ليلة 31 تشرين الأول هو أن تكون له فرصة «تمديد» ولايته الحالية، أي أن يكون العهد المقبل استمراراً طبيعياً للعهد الحالي، من خلال النائب جبران باسيل. فما تعذَّر تحقيقه في 6 أعوام، يصبح مضموناً تحقيقه في 12 عاماً، خصوصاً أنّ التسويات التي كان منتظراً تحقيقها في العهد الحالي تأخّرت إلى العهد المقبل.


لا يريد الرئيس عون أن تكون العلامة الفارقة لعهده هي الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي والإداري والفوضى الدستورية والسياسية. وهو يعرف أنّ الانهيار مسيَّس أساساً، وناتج من ضغوط دولية وإقليمية، وهو سيزول فوراً إذا زالت هذه الضغوط، ويعود البلد تلقائياً إلى وضعية التوازن.

 

في عبارة أخرى، إنّ فساد النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي جهّز الأرضية للانهيار الكبير، لكن القوى الدولية والإقليمية بقيت تدعم هذا الفساد لعقود عدّة ولم تحرّك ساكناً، ثم اختارت لحظة معينة للدفع عمداً نحو إحداث الانهيار.
والهدف من هذه الخطة هو إضعاف لبنان في لحظة الخيارات الإقليمية الكبرى، بحيث يفقد قدراته ويكون ضعيفاً مطواعاً في المفاوضات الجارية أو المحتملة. وعندما يتمّ إنجاز هذه التسويات، ويكون لبنان قد أصبح جزءاً منها، تنتفي حاجة القوى الخارجية إلى الضغوط، ويبدأ الخروج تدريجاً من واقع الانهيار.


القريبون من تفكير الرئيس يقولون: من سوء الأقدار أن يبدأ عهد عون، في خريف 2016، تزامناً مع انطلاق عهد الرئيس دونالد ترامب في الولايات المتحدة. فقد تأجَّج الصراع مع إيران منذ تلك اللحظة، وارتفع منسوب الضغوط في لبنان حتى وقع انهيار تشرين الأول 2019. وهذا يعني أنّ عون عاش مرة أخرى واقع التناقض بينه وبين القوى الدولية، تماماً كما عاشه في عامي 1989 و1990.


ولذلك، في خروجه الثاني من بعبدا، يبدو عون في مناخ قريب من مناخ خروجه الأول قبل 32 عاماً. ففي الحالين، هو الرئيس القوي الذي «يقاتل العالم».
وعلى الأرجح، هو اليوم يطالب بفرصة جديدة في بعبدا، عبر باسيل، لعل الثالثة ثابتة. و»حزب الله» لن يتخلّى عنه لأنّه لا يترك حلفاءه عادةً، وهم كثر. لذلك، هو سيحدّد خياراته بكثير من التأني.