الباقي من عمر ولاية الرئيس ميشال عون هو 25 يوماً، ليس ما يؤشّر خلالها الى حدوث معجزة تنجي الاستحقاق الرئاسي من المصير الذي يبدو محتوما، بالسقوط في مهب فراغ رئاسي مديد اعتباراً من اول تشرين الثاني المقبل.


 

الاستحقاق الرئاسي بات اشبه بمتاهة بلا مخارج، كل طرف يُعلي سقفه، ويورّم نفسه، ويطرح مواصفات ملزمة للآخرين، على حلبةٍ قراره محدود جدا فيها، او بمعنى أدق لا قرار له فيها. وفي هذه المتاهة يُحضّر رئيس مجلس النواب نبيه بري نفسه للدخول ضمن ما تبقى من مهلة الستين يوما او بعدها، الى مسلسل طويل من الدعوات الى جلسات جديدة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، نتائجها معلومة سلفاً في هذا الجو الاتقسامي، عنوانها فشل اطراف الصراع الداخلي في انتخاب رئيس.


 

مصادر سياسية مسؤولة تؤكد لـ"الجمهورية" ان لا مجال لعبور الاسحقاق الرئاسي بصورة طبيعية وسلسة في حقل سياسي مزروع بالصراعات والتناقضات، كما لا قدرة لأي من الاطراف على فرض رئيس على الاطراف الاخرى، ومن هنا ليس امام المكونات السياسية والنيابية سوى سلوك واحد من طريقين، الاول سلوك طريق التصعيد كما هو الحال اليوم، وهذا يعني سَوق البلد الى الفراغ الرئاسي، وقد عشنا تجارب فراغ سابقة كانت نتائجها وخيمة على البلد، واما الظرف اليوم فمختلف، حيث ان العواقب قد تكون اكثر سلبية ليس فقط على موقع الرئاسة الاولى، بل ربما على شكل النظام ومستقبل البلد. واما الثاني، فسلوك طريق الواقعية والموضوعية، الذي يوصِل حتماً الى التوافق على شخصية ملائمة لرئاسة الجمهورية، تعبر الى الرئاسة الاولى على صهوة إجماع او شبه إجماع داخلي. والسبيل الوحيد الذي يحقق ذلك هو الجلوس على الطاولة، والخروج من خلف منصات الكيدية ومنابر المزايدات. وخلاف ذلك سيبقينا حيث نحن خلف المتاريس.


 

ورداً على سؤال عما اذا كان بعض المكونات الداخلية ينتظر "كلمة سر" خارجية لإطلاق سراح الاستحقاق الرئاسي، اكدت المصادر المسؤولة "انّ جملة اعتبارات تحكم الاستحقاق الرئاسي منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي تتجلّى في نصائح كثيرة تَرد من الفرنسيين والاميركيين بالتعجيل بالتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية. قد يكون في ذهن البعض انتظار "كلمة سر" من مكان ما، فإن صح ذلك، وهو صحيح، فكلمة السر هذه تُلزم من يتلقاها وحده، ولا تلزم الآخرين بها. الا اذا كان ثمة من ينتظر ان تستجد ظروف خارجية ضاغطة لفرض رئيس من لون سياسي معيّن، فلا احد يضمن في هذه الحالة الى اين يمكن ان يُقاد البلد.

 

وتخلص المصادر المسؤولة الى القول: لنكن موضوعيين وعاقلين، فلو كانت "كلمة السر" الخارجية هي مفتاح الاستحقاق الرئاسي وذات مفعول إلزامي لكل اطراف الداخل لما تأخّرت حتى الآن، ولأُوحِي بها منذ زمن وتم الاستحقاق الرئاسي استجابة لها. لذلك لنوفّر على أنفسنا عناء الانتظار، ونشرع في البحث عن كلة السر التي تجمعنا وتُمكننا من صياغة تسوية لمصلحة البلد، جوهرها الجلوس على الطاولة والتوافق على رئيس.


 

في سياق متصل، برز موقف لمجلس المطارنة الموارنة، حيث طالبَ في بيانه الشهري امس، بتشكيل حكومة، معتبراً انه "لا يجوز أن يبقى التكليف من دون تأليف ولو لفترة قصيرة باقية من عمر العهد. وتمنى على المعنيّين بموضوع الحكومة "تسهيل عملية التشكيل وعدم استغلال هذا الإجراء الدستوري لتسجيل نقاط في السياسية"، لافتاً الى "انّ أي تغيير ننتظره هو أن تأتي شخصيات قادرة على النجاح وكسب ثقة الرأي العام، من دون سيطرة أي حزب على الحكومة الجديدة".

 

وحول الاستحقاق الرئاسي أشار المجلس الى انه تابع باهتمام عقد جلسة المجلس النيابي الخاصة بانتخابِ رئيسٍ جديد للجمهورية، وما أسفرت عنه. معلناً انه وإذ ينظر بإيجابية إلى الجولة الانتخابية الأولى وما اتصَفت به من تقيّدٍ بالأصول الديمقراطية، دعا السادة النواب، ولا سيما رئيس المجلس النيابي، إلى الإسراع في انتخاب رئيس للجمهوريّة ضمن المهلة الدستوريّة، يكون قادرًا على بناء وحدة الشعب اللبنانيّ وإحياء المؤسّسات الدستوريّة وأجهزة الدولة، وتعزيز عمليّة الإصلاحات المطلوبة".