قد يستغرب المرء الوقت والطاقة الهائلَين اللذين يكرّسهما رجال الدين وأتباعهم من معشر المتدينين في الغوص في شؤون المرأة وواجباتها الشرعية ولباسها وغيرها من المسائل الجنسية، وقتٌ وطاقةٌ لو تم اسغلالهما في أيٍّ من المجالات العلمية او الإقتصادية او الإجتماعية أو الإنسانية، لكانت النتيجة مئاتٍ من الأبحاث والدراسات المفيدة التي نحن بأمسّ الحاجة اليها في شرقنا المكلوم. 

 


وقد يكون النقاش الأبرز والأكثر حضوراً على الدوام موضوع لباس المرأة؛ فيرى معظم المتدينين أن جسد المرأة شرٌّ عظيم وعورةٌ وجب سترها إذ كل ما في هذا الجسد يستثير غرائز الرجال من الشعر الى أخمص القدمين، ولذا وجب على المرأة الحجاب الذي يقدّمه معظم رجال الدين كالحلّ الأنسب لصون المرأة وحمايتها والدفاع عن شرفها كبوابةٍ لصون المجتمع بأسره من الرذيلة. 

 


ويثير هذا الطرح اسئلةً جوهريةً جدليةً لا بدّ لأي عقلٍ لا زال يؤمن بالمنطق السليم التفكير بها: إن كان على المرأة تغطية جسدها لعدم استفزاز غرائز الرجال الجنسية فنحن نعتبر ان الرجال غرائزيون لا يمكنهم كبح جماح ميولهم الجنسية أو ضبطها وبالتالي نحن نسقط عنهم صفتهم الإنسانية، فكيف لهؤلاء أن يكونوا قوامين؟ ومن الناحية الخرى، إن كان الرجل أكثرعقلانيةً وأقلّ تأثراً بالمشاعر والعواطف من المرأة وكان قواماً عليها كما يحلو للمتدينين إظهاره، فهو إذاً لا يمكن أن يفقد طوره حين يرى كتفاً او فخذاً او حتى خصلة شعروإن رأى ما يستفزه فليغضّ النظر كما تنصّ عليه تعاليم الدين! 

 


 فالحل لا يكمن إذاً  في ستر جسد المرأة  إذ أن المرأة تتعرض لشتّى انواع التحرش اللفظي والجسدي في أكثر المجتمعات محافظةً وهناك أمثلةٌ لا تعدّ ولا تحصى عن نساء منقباتٍ تعرضن لهذا النوع من الإساءة: فالمشكلة لا تكمن في المرأة التي يحلو لرجال الدين تحميلها كافة انواع الشرور بل في عقل الرجل الذي لا يرى في المرأة الا أداةً جنسيةً ووسيلةً لإرضاء غرائزه وإشباع شعوره بالفوقية. فتصوّروا مثلاً ان تقوم محكمة بمحاكمة الضحية بدلاً من الجاني او تحميلها جزءاً من المسؤولية عن الجريمة!

 

 


ولا يشكل موضوع المرأة والقيود المفروضة على حريتها إلا انعكاساً لمعضلةٍ أكثر عمقاً وشمولاً وهي الأنظمة الدكتاتورية الأبوية الذكورية الحاكمة؛ فهذا القمع الذي تتعرض له المرأة في مجتمعاتنا الشرقية "المتدينة" ليس إلا نتيجةً واضحة لخلل السلطة التي تعتمد على الكبت والاستبداد لتأمين استمراريتها، وما محاولات "تدجين" المرأة والتقليل من قيمتها عبر اختصار دورها في الإغراء والجنس إلا محاولةً لتدجين مجتمعٍ بأسره. فحين تقوم السلطات المستبدة بإخضاع المرأة التي هي نصف المجتمع أو أكثر، فهي تخضع الذكور من أبٍ وأخٍ وزوجٍ على حدٍّ سواء، إما عبر الترهيب من خلال جعل هؤلاء يشعرون بعدم قدرتهم على حماية أفراد العائلة الإناث وبالتالي عدم تشجيعهن إذا قررن أن يثرن ضدّ الأمر الواقع او عبر الترغيب وذلك في استغلال لمشاعر الرجولة الزائفة. فالمجتمعات الأبوية تكبت رغبات الأفراد حتى الذكور منهم الذين قد يتعرضون كل يومٍ لمواقف تمسّ كرامتهم بدايةً من المدارس والدوائر الرسمية وانتهاءً بأي كلمةٍ قد تودي بصاحبها الى أقبية المخابرات حيث يُنزع منه كل شعور بالكرامة والآدمية. وينتج عن هذا الكبت الفظيع محاولاتٌ لاستعادة جزءٍ من "الرجولة" والشرف الضائعَين تتبلور على شكل ذكوريةٍ مفرطةٍ داخل جدران المنزل تكون أولى ضحاياها المرأة الزوجة/الأخت/ الإبنة. 

 


إنه مخطط شيطاني تستغل فيه الأنظمة الدكتاتورية تفسيراتٍ ذكورية أبوية لمفاهيم دينية لم تعد تتناسب مع العصر لتمرير مشاريعها السياسية والاجتماعية المدمّرة وليس ما تشهده إيران من احتجاجاتٍ على مقتل الشابة مهسا أميني التي قضت على أيدي ما يسمّى بشرطة الأخلاق بسبب عدم التزامها بالحجاب  "الشرعي" إلا خير دليل على ارتباط قمع المرأة بالنظام السياسي برمّته: فقد توسعت المظاهرات لتعمّ كافة أرجاء البلاد مطلقةً شعاراتٍ سياسية بامتياز قد تكون الشرارة الأولى لثورةٍ بوجه نظامٍ استغل الدين بأبشع صوره لنشر الدمار والموت في أرجاء والبلاد والمنطقة برمّتها.