أمسى واليوم شهد العالم وفاة شخصين تاريخيين هما آخر رئيس للإتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف ، وآخر ملكة بمواصفات إليزابيت الثانية إلكسندرا ماري، وقد إحتفا العالم بالثانية ، وكاد أن لا يُذكر الأوّل .

 


لا مجال للمقارنة بين الفقيدين فلكل منهما باعه في السياسة والسلطة والتجربة والخبرة والوراثة المتشابهة ما بين بريطانيا وموسكو. فهي وريثة سُلالة ملكية ، وهو وريث سلّة حزبية ، وهي نجحت في إدارة بريطانيا ، وهو نجح في تصحيح الخطأ التاريخي للتجربة الشيوعية .

 


طبعاً ثمّة فوارق كثيرة بين الشخصيتين من الثروة والنعمة وكيفية العيش . أي ثمّة فارق كبير بين فقرغورباتشوف وغنى إليزابيت . إضافة إلى غنى عقل الأوّل ، وليس فقرعقل الملكة بقدر ما هو تمايز معرفي في وسط فلسفي ينتسب إليه غورباتشوف ، ولم تكن إليزابيت من زبائنه .

 

كما أن غورباتشوف ممثل لهوية روسية ، وإليزابت ممثلة لهوية بريطانية ، وشتان ما بين الهويتين . بين هوية تكرم عامل نفايات في لندن ، وهوية لا قيمة لحاملها ما دام خارج السلطة .

 


هنا يكمن بيت القصيد في إحترام الدولة لنخبها وعدم إحترامها ، وهي من تفرض إحترام شعبها من عدم إحترامه ، وهنا مقايسة بين الدولتين لا بين الشخصين لأن لكلاهما ما يجعلهما داخل التاريخ لا خارجه .

 

إحترام بريطانيا لقياداتها فرض على العالم التعاطي مع حدث موت الملكة بواجبات معينة ليس على المستوى الرسمي والدبلوماسي فقط . بإعتبار الملكة مازالت من عديد السلطة والتاج . في حين أن غورباتشوف خارج المسرح السياسي والمشهد الدبلوماسي وهذا ما يخفّض من وتيرة التفاعل مع موت مرّ كأي منسي من المنسيين .

 

لقد تبتل الشعب أمام تابوت الملكة وأضاء بدموعه ظلمة مدفنها ، وهذا التواصل بين البريطانيين والملكة وعلى إختلاف وجهات نظرهم في السياسة والملكية يرسم بُعد المشهد في العالم ، ويكرّس سياسة التعاطي التعاطفي مع قيادات بريطانيا سواء إستفاقوا أو ماتوا على خلاف روسيا اليوم . حيث تنعدم فيها الحوكمة السياسية والشعبية لغير شخص بوتين بما هو مستبد بقوّة المافيات المتحكمة بروسيا .

 

حتى من لهم علاقة مباشرة بالثقافة والفلسفة السياسية لم تهتز أقلامهم لوفاة عملاق تاريخي إستطاع بكتاب أن يغيّر ميزان القوى في وقت كانت فيه الحروب هي من تصنع موازين القوى . كما كانت الحرب الباردة ما بين أميركا والإتحاد السوفياتي علامة بارزة للحرب العالمية الثانية ونتيجة من نتائجها .

 


كان حبر غورباتشوف أقوى من البارود ، وأقوى من حرب النجوم،  ومن السلاح النووي ، ومن الأساطيل ، ومن أيّ قوة مادية . فقوته الورقية حققت بسرعة البرق ما عجز عنه الشرق والغرب معا" . 

 


لم يستطع الإتحاد السوفياتي الصمود أمام هزائمه الداخلية للحفاظ على وحدته ، ولم تستطع أميركا وحلف الناتو بكل مجهودهم العسكري والمادي والمالي والإعلامي والسياسي من هزم السوفيات سواء في الداخل أو في الخارج حيث ينشط السوفيات في بلاد معادية للغرب .

 


إن قوّة حلفيّ الناتو ووارسو قد وهنت أمام قلم البيريسترويكا .