لا يسع المرء إلا التوقّف عند ظاهرةٍ غريبةٍ جداً تسود المجموعات والجماعات الموالية لإيران ونظام الولي الفقيه داخل المجتمعات العربية إذ يظهر بشكلٍ جليّ لكلّ مراقبٍ أو متابع أن مناصري ومؤيدي هذه الجهة يعتبرون أنهم يعيشون عصراً ذهبياً و”نهضةً” لا يراها في الواقع إلا هم وحدهم.

 

 

ولِفهم الموضوع بشكلٍ أعمق، من الضروري التوقف عند مفهوم “الواقع الإجتماعي” الذي يقدّمه علم الإجتماع؛ فقد شدّد إميل دوركهايم على أنه “في المملكة الإجتماعية، أكثر من أيّ مكانٍ آخر، الفكرة هي الحقيقة”، وذلك في إشارةٍ إلى أن تشارك فكرةٍ ما ضمن مجموعةٍ والإيمان بها يحوّلها إلى واقعٍ إجتماعي، يختلف عن الواقع البيولوجي أو الإدراكي، إلا أنه قد يكون أكثر تأثيراً لأنه يعتمد على التوافق الضمني الجماعي. 


ومن أبرز الأمثلة على ذلك النقود؛ فلولا اتفاق البشر على إضفاء القيمة على الورقة النقدية لكانت عاديةً كورقة دفترٍ أو ورقة شجرة.

 

 

ولا شكّ أن النظام الإيراني ومن لفّ لفّه لا يتوانى عن استغلال أيّ فرصة لتثبيت ما يعتبره مكاسب له في العالم العربي ، وهي في الحقيقة مكاسب لم يكن يوماً ليحلم بها لولا مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية لا مجال للتعمّق بها هنا، وهو يعمل بشكلٍ حثيث على خلق واقعٍ اجتماعي جديد عبر نشر أفكارٍ ومفاهيم مغلوطة في سعي حثيث الى إقناع الموالين بعظمة الحقبة الحالية و“الانتصار” المدّوي الذي تحقق بأخذ الثأر والانتقام بعد انتظارٍ دام لأكثر من الف عام!

 

 

إنه مبدأ “الكذبة الكبرى” (Big Lie) الذي تم اعتماده منذ القدم كإحدى أبرز استراتيجيات الدعاية والبروباغندا وكان وزير الدعاية النازي غوبلز من أبرز مطبقيه. ويرتكز هذا المبدأ على فكرة إطلاق كذبة كبيرةٍ لدرجة أن الكثيرين سيعتقدون انه لا يمكن لشخصٍ ما أن يكون لديه الوقاحة والصفاقة لتشويه الحقيقة بهذا الشكل المسيء.

 

 

ويبدأ تكرار الكذبة في كل مناسبة حتى تترسخ عند المتعصبين و/أو البسطاء كحقيقةٍ وواقع. ويقدّم أزلام إيران في العالم العربي كمّاً هائلاً من الأمثلة على ذلك بدءاً من بشار الأسد الذي يظهر على الشاشات متأنقاً ليتبجح بانتصاره وبالحفاظ على “السيادة” و”الكرامة” في بلدٍ كان شاهداً على أبشع الجرائم ضدّ الإنسانية وعلى أسوأ عمليات التغيير الديموغرافي، في بلدٍ أصبحت أراضيه مقسمةً مابين روسيا وإيران وأميركا وتركيا ولا مكان فيه لا لسيادة ولا لكرامة، مروراً بقادة ما يسمّى الحشد الشعبي في العراق الذين ينادون بوجوب إحترام “الدولة والمؤسسات” وهم في الحقيقة ميليشا مجرمة خارجة عن الدولة قامت بالتطهير العرقي والطائفي بحجة قتال داعش، ونهبت البلاد فصارت إحدى أغنى دول المنطقة تعيش في الفقر والجهل والنفايات المتراكمة في الطرقات، وقادة الحوثيين الذين يتبجحون بالإنتصار على الشيطان الأكبر والأصغر فيما أطفال اليمن يموتون جوعاً ومرضاً ويُستخدمون كدروعٍ بشريةٍ في معارك خنفشارية لا طائل منها إلا الدمار، وصولاً الى لبنان حيث لا يخجل رئيسه ميشال عون من إعلان عهده “عهداً قوياً” في وقتٍ يقترب فيه اللبنانيون من مجاعةٍ لم تعشها بلادهم الا إبان الحرب العالمية الأولى، من دون أدنى مقومات الحياة من كهرباء وماء وحيث لا يستحي حزب الله وأمينه العام من الكلام عن الدولة والدستور ومحاربة الفساد في حين أنهم يعملون بشكلٍ منهجي على تدمير ما تبقى من مؤسسات للدولة لإطباق سيطرتهم على البلاد وتحويلها الى ممرٍ للتهريب وتجارة الكبتاغون كرمى لعيون الولي الفقيه.

 

 

إنها يا سادة حكاية “ثوب الإمبراطور” الذي أقنعه خياطان بأن يصنعا له ثوباً خفياً لا يراه الا الأذكياء. وحين خرج الامبراطور بين الرعيّة، لم يتجرأ أحدٌ على قول أنه لا يرى ملابساً على الملك بل بدأ الكل يبدي إعجابه بهذه الملابس الفخمة خوفاً من الاعتراض او من الظهور بمظهر الغبي، بإستثناء طفلٍ راح يصرخ: “الإمبراطور عارٍ ولا يلبس أي ملابس على الإطلاق” ليكتشف الناس بعدها أنهم خُدِعوا ويسقط هرم الأكاذيب حجراً تلو الآخر!!!