باقٍ من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية 58 يوما، فيما مفتاح الاستحقاق الرئاسي ضائع في مغارة المجهول. ولأنّ هذه المغارة مقفلة بشيفرة سياسية مبعثرة رموزها بين مكونات سياسية تعاني ذروة التصادم والانقسام، ليس من سبيل سوى الاستعانة بشخصية تشبه «علي بابا» بطل واحدة من حكايات الف ليلة وليلة، لينطق بتلك الجملة السحرية «افتح يا سمسم»، لينشقّ باب المغارة ويُنتشل مفتاح الرئاسة من أعماقها. ولكن من هو هذا الـ«علي بابا»؟ ومن أين سياتي؟ وهل هو موجود أصلاً؟ وإن كان موجوداً، هل سيقبل بأن يعيّن أطرافاً لا يعيّنون أنفسهم؟!

 

ما يدفع الى استحضار هذه الفرضية الخرافية، هو تطابقها مع الحالة المرضيّة المستعصية التي يعانيها لبنان؛ التي تتجلى في التمزّق على مستوى مكوناته السياسية، وفي المسافات الشاسعة التي تفصل فيما بينها، وتصادم رؤاها وتوجهاتها وأجنداتها، وافتراقها على الثانويات والأساسيات من القضايا التي تعني بلداً قابعاً في قعر الدرك الأسفل ماليّا واقتصاديّا ومعيشيّا، وفي اتقانها فقط فنّ النكد والنكايات والكيد ونصب الكمائن والمكائد لبعضها البعض.


 

السؤال الذي يفرض نفسه أمام هذا الواقع المهترىء: كيف يمكن لوطن ان يعود الى الحياة مع وضع كهذا؟ وكيف لمكوّنات تُعادي بعضها بعضاً أن تتفاهم او تتوافق على إتمام استحقاق رئاسي يحلم اللبنانيون في أن يشكل معبرا الى زمن سياسي جديد يؤسس لاضاءة ولو شمعة في نفق البلد المظلم وأزمته الخانقة؟

 

لعل جولة سريعة على مواقف القوى السياسية وتحضيراتها المرتبطة بالاستحقاق الرئاسي كافية للجزم باستحالة إتمامه بشكل سلس، فكل طرف يعزف مواله الرئاسي، ويروّج لما تبدو «مواصفات مقدسة»، حتى اسقط هذا الاستحقاق في صدام مواصفات مفتوح على كل شيء، الا على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. من هنا تتبدّى في هذه الصورة الحاجة الملحة إلى من ينتشل الاستحقاق الرئاسي من قمقم الخلافات الداخلية، ويجنّب لبنان فراغاً رئاسياً وما قد يتأتّى منه من مخاطر مجهولة الكمّ والنّوع. وبديهي هنا الرهان على «صديق» يمد يد المساعدة، ولكن هل هذا الصديق موجود حيث لم يعد ثمة صديق حقيقي للبنان؟


 

لعل المريب في هذا المشهد الداخلي الملبّد بضغوطات وأعباء ثقيلة على اللبنانيين، هو تزامن بدء مهلة الستين يوماً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، مع إشعال الدولار، ومواظبة الغرف السوداء التي تتحكّم به على دفعه بقفزات خطيرة لامست أمس سقف الـ36 ألف ليرة، وعلى نحوٍ ترافق مع ارتفاع اضافي في أسعار المواد الاستهلاكية، وادخال أسعار المحروقات إلى مدار التحليق من جديد، توازياً مع مُسارعة بعض محطات المحروقات إلى رفع خراطيمها.


 

اللافت في هذا السياق ما أشارت اليه مصادر مالية بقولها لـ«الجمهورية» ان «عودة اللعب بالدولار ليس مردّها إلى عامل مالي أو اقتصادي، بل الواضح في هذا السياق ان ما يجري على هذا الصعيد هو جراء عامل سياسي، وَكّلَ يداً خفيّة بإعادة اشعال الحريق المالي في البلد... وهذا يبعث على الخوف من الأعظم الآتي».

 

وتخوفت المصادر من أن يكون هذا التلاعب، في هذه المرحلة تحديداً، دفع البلد نحو انفجار مالي يصل بالدولار إلى أرقام فلكية للضغط على الاستحقاق الرئاسي وتمريره خدمة لحظوظ مرشحين معينين، ولكن ما يثير الخوف الشديد انه إن وقعَ هذا الانفجار، فقد لا يكون في مقدور أحد أن يُلملم آثاره، سواء انتخب رئيس للجمهورية أم لا. لأن لبنان ساعتئذ يكون قد سقط في قعر الكارثة».