قبل السيد موسى الصدر لم يكن لشيعة لبنان ككتلة كبيرة  تأثير سياسي كبير بل كانوا مشتتين في البقاع والجنوب وغيرها من المناطق  وتتحكم بهم بعض العائلات الاقطاعية وتتلاعب بهم الانقسامات العائلية والعشائرية بالنسبة للعائلات الاقطاعية الشيعية لم يكن همها تمثيل الشيعة بقدر ما كان همها الحفاظ على ما اكتسبته سواء على الصعيد الاقتصادي او السياسي اما انتماء هذه الأسر السياسي فكان لقوى واحزاب لا علاقة للشيعة بها ولن نكون ظالمين لها اذا قلنا ان هذه الأسر حاولت الابقاء على  الأوضاع المتخلفة التي يعاني منها أبناء الطائفة ربما لان هذا الحرمان يساعدهم على الاحتفاظ بنفوذهم وقوتهم  واذا تحدثنا عن الحرمان فإننا نشير إلى أن أبناء الطائفة الشيعية كانوا الاشد حرمانا بل كانوا  ممنوعين من الوصول إلى بعض المراكز في الدولة اللبنانية فضلا عن تدني المستوى التعليمي الجامعي والثانوي فضلا عن انتشار الأمية.

 


في العهد العثماني نلاحظ انكفاء الشيعة على أنفسهم فكانوا يحسون بالخوف والعزلة واضطهاد السلطة لهم كما لعبت الحروب التي اندلعت بين الدولة العثمانية والصفوية على إثارة النعرات والاحقاد ضد الشيعة بل ان السلطة العثمانية أعطت امتيازات لطوائف غير إسلامية وحرمت الشيعة من امتيازات كثيرة وتحت هذا الخوف تحول عدد كبير من أبناء الشيعة إلى مذاهب أخرى للحفاظ على حياتهم وكان التبرير الشرعي لهذا التحول هو التقية وان الانتقال إلى مذاهب أخرى هو انتقال مؤقت نتيجة الظروف الصعبة وأنهم سيعودون إلى مذهبهم فور انتهاء الخطر الا ان الذي حصل ان العديد من تلك الأسر قد انخرط كليا في المذهب او الدين الجديد ولم يعد يربطه بالتشيع سوى الاسم فقط.

 


تحت وطأة الضغط النفسي والاجتماعي والاقتصادية والتاريخي والاحساس بالغربة في الوطن لابناء الشيعة تدخل السيد موسى الصدر ليحسم الأمر وليعلن نهاية عصر الحرمان وان لابناء هذه الطائفة حقوق في الدولة أسوة بباقي الطوائف لقد انطلقت جهود السيد موسى الصدر من مأساة كربلاء لتكون عامل قوة ومدرسة ينطلق منها لاستعادة حقوق أبناء الطائفة المحرومة لقد رفض السيد موسى الصدر جلد الذات والاحساس بعدم الانتماء المتفشي نتيجة العوامل الاقتصادية والاجتماعية لقد أصبح الإمام الحسين عليه السلام عنوانا لاستعادة الحقوق كاملة غير منقوصة وليس هناك مواطن درجة أولى ومواطن درجة ثانية او ثالثة وليس هناك طائفة ارفع من طائفة لقد رفع الصدر صوته قائلا:
سأقض مضاجع المسؤولين ما دام هناك محروم واحد. 

 


لقد أصبح للشيعة في لبنان مع السيد موسى الصدر بيت يذهبون اليه وملجأ وأمان وأصبح لهم وضعهم السياسي والاجتماعي المميز وليسوا اتباعا او رعايا او ملحقين عند أحد.
أصبح لشيعة لبنان بفضل جهود السيد دور كبير فهو وطنهم النهائي الذي يدافعون عنه وأصبح لديهم أطباء ومحامين ومهندسين؟ تحسنت أحوال عموم الشيعة وتراجع دور الأسر الاقطاعية والشيعة ما قبل السيد شيء وما بعده شيء آخر هو علامة فارقة في تاريخ لبنان لن  تتكرر.

 


محطات ومواقف في حياة السيد موسى الصدر :

 


كان على السيد موسى الصدر معالجة العديد من الملفات الساخنة سواء في الطائفة الشيعية او في لبنان او المحيط العربي بالنسبة للوضع الشيعي كان السيد موسى الصدر يعتمد الإسلام الحركي بمعنى ان التغيير الاجتماعي والسياسي يجب أن يكون مقرونا بالعمل والسعي الدؤوب دون كلل او ملل ولذلك دعا إلى الاستفادة من سيرة النبي وأهل البيت عليهم السلام فعن هجرة النبي صلى الله عليه وآله يقول :التاريخ الإسلاميّ يبدأ بالهجرة وهي ليست الإنتقال من مكان إلى آخر فحسب بل الإنتقال من حال إلى حال، من تخاذل إلى تحرّك، من جمود إلى نضال ومن أرض إلى سماء.


 وعن كيفية فهمه لحركة الإمام علي عليه السلام الاجتماعية وفي علاقته مع الناس  يقول  :


علي يعتَبر أن سجودهِ وعبادتهِ , ليسا سجودًا في المِحراب وعبادة في المَسجد فحسب , بل علي يعبُد الله في إيواء الأيتَام , وفي قضاءِ الحاجات , وفي التّخفيف عن المُتعبين , وفي إنجاز مَهمة المُحتاجين , وفي إصلاح شأن النّاس وفي الأمور العَامة ..


لا يرى علي أن المُشاركة في الأمور العَامة , لا يرى علي أن الخرُوج من المَسجد , والنزول إلى الشّارع , والدّخول في بيُوت النّاس والسّعي لقضاءِ حوائج النّاس , هذه دُنيا يتركها لغيره , كلا , فهو كما يسجُد في المحراب يسجُد مع اليتيم , ويسجُد مع الفَقير , ويسجد مع المُحتاج ..


يدخُل في بيتِ أرملةٍ بعد واقعةِ صفين فيُحاول أن يُساعدها , فيشعّل التنُور ويلعّب الأولاد ثم يضع وجهه أمام النار ويقُول : 


" ذق يا أبا الحسن هذا جزَاء من ضيّع الأيتام " .. 


فمساعدة الناس وبناء مجتمع متكامل متضامن هو الغاية المنشود في فكره .

 

بالنسبة  للسلاح الفردي وكيفية التعامل معه  وهو الموجود في كل بيت لبناني كان السيد يرى انه  زينة الرجال ويكون كذلك عندما يوجه لعدو الأمة اما  حمل السلاح بشكل ظاهر في المناسبات الاجتماعية أو الدينية فهذا امر أمر مرفوض كليا وإطلاق النار في أي مناسبة يشكل ضررا للناس وإذا حدثت اي إصابة نتيجة لذلك  فكل من شارك باطلاق النار هو مدان شرعا وقانونا. 

 


إطلاق النار عشوائيا في اي مناسبة ليس بطولة بل ضعف   البطولة  هي التحلي بالصبر والأخلاق ومساعدة الآخرين والنظر إليهم بانسانية. 

 


وبالنسبة للخلافات العشائرية والعائلية التي كانت تعصف بالطائفة الشيعية في البقاع  خاطب السيد ضمائر هؤلاء ووجدانهم وحذرهم من التمادي في القتل والثأر،فمن  رسالة له  إلى أهالي المنطقة  عام 1970 نورد المقطع التالي :
يا ابناء بعلبك الهرمل


في هذه الأيام النازفة بالدم، المصبغة وطنكم الجريح، وفي هذه الليالي الثاكلة تلف اليتامى والأيامى وفاقدي الأحبة والمعيلين بهمومها وأحزانها الخرساء، تأخذ الغصة بحلقي والشوك بوسادي وقيامي وسجودي وأنا أتساءل وأسأل:
ماذا يعني تصعيد موجة الأخذ بالثأر ؟ وما مبرر الإنتقام من جرائم قديمة ؟

 


أم يكون من المصلحة والوطن والمواطنون يعقدون الأمل على طاقاتكم الكبيرة ، أن تهدروها على أرجاس النفس الأمارة بالسوء ، بدلاً من صرفها في مرضاة الله الذي ينتظركم في الآخرة ، وفي إحتياجات الإنسان لها ، في هذه
الدنيا ؟

 


والشعب الجريح ، والأرض المحتلة ، والكرامة المسلوبة ، والنوم الهارب من العيون ، والجوع الزاحف إلى البطون ، والقلق ، وعتمة المصير ، كلها كلها .. لا تعني لكم شيئاً ؟


ولا يعنيكم سوى عبادة أصنام الجاهلية ، ومزاولة شياطين الحقد ، والإصغاء إلى يوم القبور الناعية في عرس الثأر الجبان.

يا أخواني في بعلبك والهرمل: أين عقلاؤكم وهل ماتوا حتى يكفوا, أو يموت العقلاء فدية للإنسان, والمواطن, ومكارم الخلق العظيم… أين المشاعر المرهفة؟ أين العقول النيرة؟ أين الأيدي والألسن المتحركة الحازمة؟
أين الرجال المسؤولون ؟ أين أوتاد الأرض؟ أين معقد الرجاء؟ أين الامل؟…


نحن هنا, في بيروت, في الشمال, في الجنوب المهدد, في القرى المحطمة, بين المشردين, في بحر المشاكل الهائج ننظر اليكم أيها الشرفاء. نحن ننظر إلى الليل المظلم, وقد كنا نرتقب فجره, فاذا به يزداد ظلاما, ويتغلغل في أعماق تلك المنطقة العزيزة لينعكس على عيوننا حزنا وقلقا, وهاجسا لا يقر له قرار.. أصدقاؤكم أيها الأخوة في مأتم, وعدوكم متربص, والشامتون يملأون الدروب, فهل تسمعون؟


وإذا غابت الدولة عنكم, بسبب من ذعر, أو انهارت بسبب إملاق من أخلاق, وإفلاس من رؤيا, فهل تغيبون أنتم عن أنفسكم, عن أمنكم, وسعادتكم وشرفكم وإنسانيتكم, ومواطنيتكم؟.. إذا مات القيمون عليكم, فهل تسيبون في مسارب النسيان والتيه والمجزرة؟ هل انتم سفهاء أو صغار حتى تضيعوا إذا ضاع الحكم؟.. وحتى الآخرون؟..


هل الموجة الرابعة تستثني أحدا من الغرق فيها؟


هل تقدير الحقوق والقيم والكرامات, متروك للظلمة والجهال والأوباش؟


هل في تاريخ الأنياب والأظافر مثيل لهذه التمزقات, التي تفطر القلوب وتشقق الضلوع وهل أيها الناس, تسكتون عن الحق وتنسون أن الساكت عنه شيطان أخرس؟.


. أما بعد, فلكم أيها الشجعان اختيارات ثلاثة, حتى تعودوا إلى الصلح, وتفيئوا إلى أمر الله:

 


إن كنتم ترمون المال والمتاع, فأتيحوا لي فرصة جمعهما من كرام أخوانكم في أقاصي الأرض, حتى أضعها بين أيدي الديات والضحايا, وأرميها حجرا أخيرا على قبر النزاع والخصومة والهمجية.


وإن كنتم تريدون الحب, فاعتبروني واحدا منكم نمشي بمسيرة الفداء على دروب القدس, وليسقط منا من يسقط, في نهر الدم المقدس.


وإن كنتم تشتهون الدم, لمجرد شهوة الدم, فهل لكم أن تقبلوني أنا الضحية, وتأخذوا الثار مني, وتطفئوا هذه الشهوة بدمي, والله على ما أقول وكيل وشهيد. أما إن رفضتم الثلاثة واعتصمتم بقلعة الشيطان, أشهدت ربي أنكم الظالمون, ولعلكم تعودون عن ذلك إن شاء الله”.

السيد وفلسطين :


كان السيد يعتبر ان إسرائيل شر مطلق ولذلك فهي دولة ظالمة وكان يرى ان تحرير فلسطين  يجب أن يكون مقرونا بالعمل والتقوى ولذلك قال في مناسبة لياسر عرفات أعلم يا أبا عمار ان شرف القدس يأبى ان يتحرر الا على أيدي المؤمنين. 


وكان يردد دائما :


ـ "ان القدس هي قبلتنا وملتقى قيمنا وتجسيد وحدتنا. 


ومن أقواله أيضا :


إن الأخطر من ولادة إسرائيل في هذه المنطقة هو استقرارها ودخولها في جغرافية هذه المنطقة وفي تاريخها. 


وحث الناس على قتال إسرائيل بكل ما يملكون قائلا :


كونوا فدائيين إذا التقيتم العدو الإسرائيلي استعملوا أضافركم وسلاحكم مهما كان وضيعا. 


الزعامة الشيعية :


كان السيد يرى ان الزعامة الدينية هي في خدمة الناس والسهر على تأمين حاجاتهم فهو لم يكن يسعى لزعامة او جمع اموال وكان يردد :

 أنا لا أملك شيئا"لا أملك متر أرض ولا رصيدا في البنك ولا

شجرة بالعكس فأنا مديون.


وكان يرى ان خدمة الناس تحتاج إلى تعب وسهر وعمل وانتقال فيرى من هذه الناحية علاقته بالناس:


العلاقات بيني وبين الناس نتجت عن السير مئة ألف كيلومتر في السنة في كل مناطق لبنان وعن أكثر من 67 محاضرة في السنة. 

 

 العلاقة بالجوار العربي:

  زار السيد العديد من الدول العربية ليقول للعرب ان الشيعة في لبنان لا يمتلكون مشروعا خارج المشروع العربي او بعيدا عنه وعندما زار مصر قال له الزعيم عبد الناصر   :أبواب مصر مفتوحة لك. 
وينقل الصحافيون  عن اللقاء الذي جرى في 1969 بين الصدر وعبد الناصر على طاولة الغداء أنّ الزعيم المصري قال:


"يا ليت كان للأزهر رئيس زي السيد موسى الصدر"

 


علاقته بالسلطة السياسية :


وعن علاقته بالسلطة السياسية كان السيد يرى ان عمله هو الدفاع عن كل محروم ومستضعف ولاي طائفة انتمى فكان حتما عليه مواجهة الطبقة الفاسدة فكان يخاطب الفاسدين :


"ماذا تعرفون يا تجار السياسة، ايها المتعطشون الى الدماء، يا مصاصي اموال الناس وحرماتهم؟ ماذا تعرفون عن وطن الانسان والحضارة والتاريخ؟... ماذا تعرفون ايها المجرمون، يا من ابتلى بكم لبنان..
لقد خاطب السيد الناس ودعاهم إلى أن يفقهوا حقيقة الطبقة السياسية الفاسدة فكان يقول :

 


لقد  تعبنا من البكاء. من وضعهم أيديهم فوق ظهورنا ليقولوا لنا "عفاكم اللَّه" لسنا جهلة إلى هذا الحدّ لكي نرضى بهذا الوضع.
التعايش اللبناني بين الطوائف  :
كان التعايش بين أبناء الطوائف همه الدائم وكان يرى ان التعايش عنوان لبنان الحضاري ولذلك فقد كان يخطب في المسجد ويعتصم في الكنيسة .
 وكان يقول :
انا قارع أجراس الكنائس القديمة..انا مؤذن الجوامع ..عندما أتلو الأبانا فيغمرني طيف علي.. أبكي الحسن والحسين ويطيب قلبي بمحمد..أصلي لللسيدة العذراء فيقبل وجهي يسوع ..اسمع الله وأكبر من خشوع الكنائس وأسمع صوت يسوع من قبة الجوامع. .فلا تسألني من أين أنا ..انا من بلد كل الأديان. .أنا من لبنان. 

وعندما تبادر إلى سمعه ان بعض الناس تقاطع بائع بوظة مسيحي تحت مسميات الحلال والحرام ذهب بنفسه إلى المحل وتناول البوظة عنده. 

كان السيد ينبذ الطائفية والاعتداء  على الآخر تحت عناوين طائفية مهما كانت وعندما حاول  البعض  مهاجمة دير الأحمر والقاع وشليفا دافع السيد عنها بكل قوة. 

وفضل  ان ينأى بنفسه عن الحرب بكل ما أمكن. 

قسم السيد:

في بعلبك في ساحة القسم اقسم السيد على الدفاع عن لبنان ومن خلال القسم نستشف وطنيته ولبنانيته 

فقال وردد معه آلاف  الناس :

نقسم بجمال لبنان و جباله 

بجنوبه و شرقه و شماله 

نقسم بدماء الشهداء 

بدموع الأيتام 

بـأنين الأمهات 

بالام الجرحة 

بضياء المكتومين 

بقلم الطلاب و المثقفين نقسم أننا لن نسكت عن الحرمان 

و أننا لن نوفر جهدا لاحقاق الحق 

و محاربة الأعداء  

و الله على ما نقول شهيد

قالوا في السيد موسى الصدر :

-الشهيد الدكتور مصطفى شمران:

استطاع هذا الرجل العظيم أن يؤسّس حركة في أصعب الظروف، بعد 1400 سنة من الاضطهاد الذي حاصر الشيعة في لبنان، فاستنهضهم وهزّ بهم كيان السلطة الحاكمة، وقذف الرعب في نفوس حكّام إسرائيل... فهو الوحيد الذي

سلك درب الاستقامة.

 

وقال شمران إيضا في رسالة للسيد :

أنّ مقامك أكبر من أن تعشق وتحبّ تحت تأثير الآخرين. عشقك فطريّ، كما الشّمس تسطع على كل مكان، وكما المطر يتساقط على العشب والأرض الجرداء، ولا تتأثّر بردّات فعل قساة القلوب.

 

فؤاد شهاب (رئيس الجمهورية اللبنانية السابق):

لو كان هذا الرجل مسيحيّاً لقدّسه المسيحيون، يجب دعم هكذا رجال بكلّ ما نملك من قوّة.

 

-جمال عبد الناصر:
ليت جامعة الأزهر تملك رئيساً كالسيد موسى الصدر.

 

-الأمير عبد الله (ملك المملكة العربيّة السعودية السابق):

طوال سنين حياتي لم أر شخصيّة بهذا الذكاء وسعة الاطّلاع وحسن الخلق والمحبوبيّة، مثل شخصية الإمام موسى الصدر.

 

 

 

عن صفحة الدكتور علي حسين درة