تابعتُ باهتمام بالغٍ ما صدر عن المرجع الشيعي في العراق ـ آية الله السيد كاظم الحسيني الحائري ـ موقفه من عدم الاستمرار في التصدي لمنصب المرجعية الدينية الشيعية، إذ أنها مسؤولية ثقيلة وكبيرة وهي من أعظم الأمانات وأهم المسؤوليات في عصر غيبة الإمام الحجة المهدي (ع)، ومن الواضح أنَّ من ضروريات هذه المسؤولية العظيمة هو توفر الصحة البدنية والقدرة على متابعة شؤون الأمة، وبسبب التقدُّم بالعمر وعدم توفر الصحة البدنية تصبح هذه الأمانة ثقيلة على المرء المتصدي لهذه القيادة، فاتخذ هذا المرجع موقفاً ينبئ عن الخوف والتقوى والورع بسحب وإسقاط جميع الوكالات والأُذنات الصادرة عن موقعه المرجعي، بالإضافة إلى اسقاط وعدم استلام كافة الحقوق الشرعية من قبل الوكلاء والممثلين عن سماحته.

 

الأمر الذي أدهشني وأعادني إلى السيرة الاعتيادية في اختيارات المركز الديني وخاصة في منصب المرجعية العليا لدى الطائفة الشيعية الكريمة في مجالها الديني من خلال الإفتاء وبيان الأحكام الشرعية وإعطاء الإرشادات والتوجهات، لدى تولي الفقهاء الجامعين لشرائط شؤون الأمة وحماية مصالحها العامة والخاصة، وكل ما من شأنه حفظ كيانها وعزتها ودرء المخاطر عنها. هنا في البيان الصادر عن سماحته بخصوص التيارات والأحزاب الإسلامية الشيعية في العراق ـ أو بحسب تعبيره ـ عراق الحسين ـ ليس مجالنا التدخل في سياسة هذا البلد الحبيب، لربما هناك أمور نجهلها بحسب السياسة المتبعة لدى أهل العراق ـ أهل مكة أدرى بشعابها ـ لكن ما يهمنا من البيان هو الموقف الديني الذي اتخذه سماحة المرجع، بالتأكيد هناك تطور فعلي قد يمسك بلب "الحوزة الشيعية" كي تعبِّر وفي كل مرحلة تاريخية عن مستجدات أسياسية في سياساتها وعن متابعتها لتطورات الفكر وخاصة في اتجاهاتها السلطوية.

 

 

 أن يعتزل آية الله الحائري عن هذا المنصب لهو صدمة حقيقية لكبار وصغار السياسيين والدينيين المتمسكين بكراسي من خشب وهم جاهزون بكل التبريرات والمعاذير من أجل التمسك بها من خلال المواقع والمراكز التي لا يغادرونها إلاَّ بوسائط الموت، وإلاَّ يبقون في الحكم والسلطة وإن حالت بهم أحوالهم الصحية دون تمكنهم من واجب القيام بمسؤولية الحكم، ويبقون في سلطانهم الديني إلى أن يأخذ الله تعالى وديعته، وهم يأتون في الأعم الأغلب إلى الزعامة الدينية والسياسية بطرق غير مشروعة ويبقون فيها اعتماداً على السيوف وسياسة التكفير. 

 

 

هذا بالإضافة إلى تعرض المتصدي لهذا المنصب للجنون والعظمة والأمراض النفسية الأخرى، أو التعلق بالمجد الشخصي أو حب الملكية والسلطة أو حب الدنيا، لأنه غير معصوم، والصيرورة البشرية قائمة على هذه الحالات. فإنَّ هذه القيم التي صدرت عن بيان المرجع جديرة بأن تبحث على مستوى توحيد البيت الحوزوي الشيعي، بخصوص المرجعية الدينية وبقيادة منتخبة من قبل الحوزات الشيعية في كل البلدان المتواجدة فيها، وهذا أمرٌ تاريخي وعلى مر العصور نجد كل المذاهب والطوائف مرتبطة عقائدياً ودينياً ولم يكن ذلك على حساب الأوطان، نعم من دون الخوض والتدخل السياسي الذي يتعارض مع سياسة كل بلد ووطن. ولعلَّ فهمي القاصر من قراءة البيان، أنَّ سماحته قد أشار إلى ذلك عندما دعى أتباعه وربما جميع المؤمنين بذلك إلى قيادة المرجع السيد علي الخامنئي، وخصوصاً في هذه الظروف التي تتكالب فيه قوى الشر والظلام في منطقتنا لكي نحفظ أمتنا على الوحدة وعدم التفرقة وخصوصاً أمام الصهيونية والاستعمار الذي يصب على الزيت ناراً والتي ما زالت تجثو على صدر بلداننا بحجج مختلفة، ومنها قيام دولة إسرائيل تشاركها الآلة الصاروخية الأمريكية المدمرة في كل شعب من شعوب الأرض المستضعفة. وأخيراً، فإنَّ هذا البيان الصادر عن المرجع الحائري، لهو تجربة يستحق التوقف عنده والتمادي في مرآته علَّنا نهتدي إلى سبيل الرشاد.