في مقابلةٍ تلفزيونية مع الإعلامي عماد مرمل(1): قال النائب جبران باسيل: «أستطيع أنْ أكون رئيساً أوْ صانع رئيس... لا مبرّر لتأييد سليمان فرنجية للرئاسة، هناك شخص عنده نائب واحد وشخص عنده عشرون نائباً…».

 

من حقّ النائب باسيل أنْ يرشِّح نفسهُ للرئاسة، على الرغم مِـنْ… ومنْ…؟ 

وليس من حقِّـه أنْ يخلَـعَ على نفسهِ صِفَـةَ الحـقّ الإلهي الذي كان سائداً في القرون الوسطى بحيث يستمدّ الملك شرعيَّـتَهُ من اللـه، يفعلُ ما يشاء، يفرض ما يشاء، ويصنعُ مَـنْ يشاء. 

 

هذا، يذكّرني بقولٍ للزعيم كمال جنبلاط عندما سُئل: تريد أن تكون رئيساً للجمهورية والنظام ضيِّـقُ العيـن فأجاب: «صـدَفَ أنْ تمكنّا سنة 1952 ثـمَّ سنة 1958 من أنْ نأتي بالرؤساء ثـمّ نعزلُهمْ فهذه وظيفة أكبر من وظيفة رئيس جمهورية»(2). 

 

مِـنْ شأن الزعامات التاريخية أنْ تساهم في صناعة الرؤساء، مع ما يقال بأنّ رئاسة الجمهورية في لبنان تشارك في صناعتها كبريات الدول. 

 

أمّـا الذين لا يعرفون تاريخ ما حـدَث قبل أنْ يولدوا فلا يمكن أن يرتقوا إلى مصاف الزعامات التاريخية، على ما يقول بولس الرسول إلى أهل «غلاطية»: «إنْ ظـنَّ أحـدٌ أنـه شيءٌ وهو ليس كذلك فإنّـه يغـشُّ نفسه»(3).. 

 

إذا كان هناك إصرارٌ على الإقتداء بالكبار، فمِنَ الخيـر التمثُّل بالرئيس الأميركي «هاري ترومان» الذي قال: «إنّـه لا يحـبّ وظيفة رئيس الجمهورية لأنّـه لا مستقبل لها». 


كنّا نعيش في حكم الجمهورية الثالثة التي كادت تدمّـر فرنسا، واليوم نعيش في حكم اللاَّجمهورية التي دمّـرتْ لبنان. 

 

وكنّا نتطلَّعُ إلى اختيار رئيس للجمهورية من طليعـةِ الموارنة الرجال، فأصبح تنصيب رئيسٍ للجمهورية كأنّـه تمثالٌ ماروني تذكاري في بعبدا. 

يـوم قدَّمتْ فرنسا في الذكرى المئوية للثورة الأميركية تمثال الحريّـة في نيويورك كهديّـةٍ تذكارية للولايات المتحدة، يومها قيل: إنّ التماثيل لا تُقام عادةً إلاّ للموتى. 

 

الواقع الأليم الذي نعانيه اليوم يعكس كـلّ المفاهيم السياسية التي درَج عليها لبنان منذ ولادة لبنان الكبير، فكان السياسي يتسلّق مراتب النيابة والزعامة والرئاسة بشـقِّ النفْس، بعد مراحل شاقّـةٍ من المعاناة إلى جانب الشعب. 

 

شروط الزعامة والقيادة لا تتوافر إلاّ مـنْ رحِـم الجماهير إستحقاقاً من تحت إلى فـوق، لا هبوطاً قسرياً على الشعب من فوق بفعل قـوّةٍ مشبوهة طاغية. 

الذين يسعون إلى استجداء الكرسي زحفاً على بطونهم، لا يستطيعون أنْ يرفعوا رؤوسهم، وأنْ يرفعوا للكرسي مقاماً، وأنْ يرفعوا الشعب من قعـرِ السعير الجهنمَّي. 

 

لـوْ لـمْ يكن الشعب اللبناني عظيماً كما أوحى سعيد عقـل للعماد ميشال عـون ذات يـوم، لمَـا استمرّ هذا الشعب مقاوماً لكلّ أنواع الشرور الفواجع، ولمـا استمرّ صامداً حيال انحلال الدولة ومؤسساتها وفساد حكامها، وقد حوَّلوا الوطن إلى زنزانات لا شمس فيها ولا هـواء. 

 

لم يعـد ينفع رحيلُ رئيس وقيام رئيس، والشعب العظيم يستبيحون عظمتَه بالإغتصاب، ويقمعون ثورته بالإرهاب، ويكبّلون إرادته بقانون الإنتخاب، ولم يبـقَ إلاّ أنْ ينـزع من أيديهم هذا السلاح الخطير، حتى لا يظـلّ أسيراً في إحدى زنزانات السجن الكبير.