وهذا اللقب أشار إليه القرآن الكريم في سورة (إبراهيم ـ آية 22) قال تعالى:( وقال الشيطان لما قضى الأمر إنَّ الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيَّ إني كفرت بما أشركتموني من قبل إنَّ الظالمين لهم عذاب أليم).

 ليس للشيطان أو لإبليس أو لطاووس الملائكة أو لأعظم العابدين أو لعزازيل أو لأبي مُرَّة، أو للشهوات أو للمغريات أو للإرادة الشريرة أو لرغبةٍ غير عاقلة أو للنفس، ليس لها إلا الدعوة، فإن أردت أن تكون إنساناً كريماً فما عليك إلا الرفض، لعل هذا هو المقصود من كلام الإمام علي (ع) حيث نُسب إليه: (أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد).

قال أحد العلماء: (إنَّ الشيطان يقرع باب قلبك، ولكن ثق أنه لم يقوَ من تلقاء نفسه على فتح الباب، لأنه رجل مهذَّب لا يقترف جريمة هتك حرمة مسكنك، بل يكتفي بطلب الإذن بالدخول، فلا تأذن له، وإياك أن توارب الباب، حتى ولا لترى من الطارق؟ إنَّ من يفتح الباب فقد هلك... إنَّ دقيقة واحدة مع الشيطان كافية لأن توردك مورد التهلكة).إنها النفس، من هي هذه النفس التي حذّرنا منها الخالق، إلاَّ ما رحم ربي، فهي التي تتبرأ من كل عيب ولا تشعر بذاتها، ولا تعرف داخلها، فهي حيوانٌ تستطيع أن تكذب وتصدِّق، وصدق من قال:(إنَّ في أعماق كلٍّ منَّا، يكمن صحفي خدَّاع، يُلفِّق الأنباء، ويُموِّه الحقائق، ويختلق الشائعات، ويخلط الحابل بالنابل) وصدق الإمام علي (ع) بقوله:(لأروضنَّ نفسي رياضة تهشُّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً، وتقنع بالملح مأدوماً)،يا إلهي من هذه النفس، من هو هذا المخلوق العجيب والغريب، لا أدري لماذا أسأل؟ أشعر بذهول وأصيب برعشة خوف، وأصبح كهلاً كالح السحنات، وأحس كأنني أسقط من رأس جبل إلى هاوية عمياء، تشعرتني بدوار يدور في رأسي وبفراغٍ يختلط فيه غرابيب سود، وتتمازج فيه الألوان والأشكال، وتعمى البصر والبصيرة (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) ـ الحج ـ آية 46. 

وما زالت هذه الدقيقة مع (أبو مُرَّة) التي يسترق فيها السمع، قائلاً: إنها الحياة ، فمن الآن أصبحت مولوداً، ولكن الحياة هي إمرأة ثيِّبٌ، ومعظمنا زناة، إسمع قول إمامك علي (ع) قائلاً: (إنَّ الإنسان في بعض حالات يشارك السَّبع الشداد أي الكون بكامله..... أتحسبُ أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر...)