تظهر الإحتفالات بذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، في كافة البلدان التي ينتشر فيها الشيعة الإماميون، كاسترجاعٍ باهتٍ وخيالي للصراع الحقيقي الدامي الذي اندلع في بواكير الإسلام بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان والي الشام، ( وامتداده فيما بعد إلى إبنيهما الحسين بن علي ويزيد بن معاوية)، إذ لم يكن صراعاً بحتاً على السلطة، وإنّما كان ذلك شيء آخر يخصّ المشروعية، ونحن نعلم أنّ المشروعية العليا في الإسلام مستمدة من تعاليم الله ورسوله، وهي تشكل المحور الأساسي للفكر الإسلامي كله، وبالتالي لكل الأدبيات التاريخية( أو كتب التاريخ ) التي تعبّر عنه، هذا يعني أنّ الصراع بين علي ومعاوية كان يخص ذروة تتجاوز السلطة السياسية وتعلو عليها، ألا وهي: ذروة المشروعية، والسلطة بدون مشروعية لا معنى لها، ولا يمكن أن تدوم طويلاً، وبالتالي فإنّ تعاقب السلالات المالكة وراء بعضها البعض، والمعارك العسكرية التي دارت، والشخصيات الكبرى والإغتيالات التي حصلت، ليست إلا دعامات ثانوية يستعيرها التاريخ المكتوب من التاريخ المُعاش، من أجل صياغة السؤال المركزي المطروح باستمرار: كيف يمكن أن نضمن انتصار الحزب الشرعي: أي حزب الله،( حسب التفريق القرآني بين حزب الله وحزب الشيطان)، وتعددت بعد ذلك الصراع الدامي الذي انتهى باغتيال الإمام علي بن أبي طالب واعتلاء معاوية لسدة الخلافة الإسلامية، الروايات وفق مفهومين مذهبيين مختلفين: السني والشيعي، وكلٌّ يدعي أن روايته هي الصحيحة، ورواية الآخر خاطئة،والتبرير اللاهوتي غالباً ما كان يتّسم بالسخونة والعنف، ويكفي أن نفتح كلاً من كتب السنة والشيعة لنلاحظ معنى كلمة ساخنة وعنيفة، وتكرّس عبر الحقب التاريخية التي تفصلنا عن القرنين الأول والثاني الهجريين، أنّ الشيعة يميلون إلى الزخرفة الأدبية في رواية الأحداث والوقائع ( معركة الجمل وصِفّين، وكربلاء)، إنّهم يميلون للإخراج المسرحي المهيب للأحداث والشخصيات،هكذا نلاحظ تهويلاً في وصف الصراع، وتحويراً لشخصيات الأئمة، وتضخيماً لها، لكي يصبحوا الورثة الروحيين للنّبي، كما هناك تحوير لشخصيات خصومهم بشكل سلبي هذه المرة، وتحويلهم إلى أعداء الله، أمّا من الناحية السنية،فنلاحظ العكس فقد اتّجه أهل السنّة نحو القبول بالأمر الواقع، أي بانتصار معاوية على علي بن أبي طالب، ونصّبوه كسابقة، أو كسُنّة، قابلة لتأسيس نظرية استرجاعية للخلافة ( أي تبرير الأمر الواقع وخلع المشروعية عليه بعد أن حُسم عسكرياً)، من هنا حديث بعضهم عن واقعية أهل السنّة قياساً إلى خيالية الشيعة وشطحاتهم وعقائديتهم المتشددة. ما زال الحال على حاله، منذ أكثر من اثني عشر قرناً من الزمن، طوت أحداث التاريخ الخلافة والخلفاء، وما زال البعض مصرّاً على هذيانه وشطحاته، ولعلّ أحسن ما عبّر عن هذا الواقع المرير، العلامة الراحل السيد محسن الأمين الشقرائي، الذي انتقد بعنفٍ الصخبَ والضجيج، الذي يصاحب ذكرى كربلاء، وتحوير أحداث تلك الواقعة بقوله: ما زلنا نختصم حول أحقية الخلافة بعد موت النبي(ص)، حتى تولى أمرنا المندوب السامي الفرنسي.