التطورات الدولية والإقليمية تتسارع بوتيرة عالية ، وكلها لها انعكاسات على الساحة اللبنانية التي باتت على مشارف سريان المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية في 31 آب المقبل. فمن قمة جدة ، إلى قمة طهران الثلاثية، إلى الكلام الإيراني عن قبول المملكة العربية السعودية برفع مستوى الحوار بينهما إلى التمثيل السياسي، كلها تطورات تعني بنتائجها لبنان الذي يعيش كما سائر دول المنطقة على وقع استقطاب دولي حاد بين محورين، الغرب بقيادة أميركا من جهة، وروسيا والصين من جهة ثانية. 

 


في هذا السياق من الواضح تماماً ان الاصطفاف الدولي الذي عكسته الحرب الروسية الأوكرانية أعادت إنتاج مناخات الحرب الباردة، ثمة مسارات إقليمية جديدة، وبالأخص المسار الإيراني السعودي الذي في حال أسفر عن نتائج إيجابية فهو قد ينعكس على لبنان، ولا سيما من خلال الاستحقاق الرئاسي الاقرب حتى يمكن اعتباره استحقاقاً مفصلياَ ، والا فهو لن يتمّ وستواجه الرئاسة الأولى فراغاً مديداً إلى حين حصول توافقات خارجية وداخلية تسمح بتغير الأوضاع.

 


لكن لا يمكن البناء حصراً على المسار السعودي الإيراني للقول ان إمكانات انتخاب رئيس جديد للجمهورية متوفرة، لا لأنه لا يمكن استعجال نتائج وانعكاسات هذا المسار وحسب، بل لأن هذا المسار مرتبط بمسارات دولية وإقليمية أخرى، وأبرزها مسار العلاقات الأميركية  السعودية بعد قمة جدّة التي لن تظهر نتائجها سريعاً، خصوصاً أنّ العهد الجديد من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين يقوم بشكل أساسي على بندين رئيسيّين، أوّلهما "عودة" التعاون العسكري بين الرياض وواشنطن بما يشمل استئناف مبيعات الأسلحة الأميركية للمملكة، فضلاً عن التدريبات المشتركة بين جيشي البلدين، وثانيهما الاتفاق على التشاور المنتظم بشأن الملف النفطي، وهما ملفان يستغرق تبلورهما وقتاً، ولا سيما في ظل تأكيد السعودية أن زمن الأمن مقابل النفط قد ولى، وهو ما يشير إلى بروز معادلات سعودية جديدة في هذين الملفين يعكسها توسيع المملكة شبكة علاقاتها وتحالفاتها الدولية، ولا سيما مع بدء بروز التوجه الأميركي للانكفاء عن المنطقة مع ولاية الرئيس بايدن .

 


وفي ما يتصل بإيران فإن البيان المشترك السعودي الأميركي أكد على ضرورة ردع التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية، وهو ما عناه تحديداً التزام واشنطن في البيان بتسهيل قدرة المملكة على الحصول على جميع الإمكانات اللازمة للدفاع عن شعبها وأراضيها ضد التهديدات الخارجية، في إشارة واضحة إلى إيران التي سارعت إلى الرد باتهام الرئيس الأميركي بايدن بإثارة التوترات في المنطقة. لكن الملفت في السياق الاتصال الذي تم بين الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين غداة انتهاء هذه القمة، و ذلك يعكس تقاطعات وتعقيدات المسارات الدولية والإقليمية الجديدة في المنطقة

 


ولذلك فان السؤال الذي يطرح نفسه هو أي هذه المسارات سيكون له تأثير أكبر في مسار الأحداث اللبنانية، وخصوصاً في الانتخابات الرئاسية، هل المسار الأميركي السعودي، أم السعودي  الإيراني، أم حتى الأميركي  الإيراني، سلباً أو إيجاباً، تبعاً لتعقيدات المفاوضات بين الجانبين بشأن البرنامج النووي الإيراني.

 


حتّى الآن لا شئ واضحاً بشأن لبنان، بانتظار بلورة المشهد في المنطقة أو بالحد الأدنى ظهور مؤشرات على توجهه في هذا الاتجاه أو ذاك. لكن التطورات بشأن ملف الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل يمكن أن تعطي مؤشرات مهمة إلى طبيعة المرحلة المقبلة، ولا سيّما أن هذا الملف تتقاطع حوله مصالح كبرى أميركية وأوروبية وإسرائيلية، وكذلك إيرانية، ما دام حزب الله أصبح طرفاً أساسياً في معادلة الترسيم جنوباً، خصوصاً بعد إرساله مسيراته الثلاث بداية هذا الشهر. بالتالي فان أي انفراج في هذا الملف يمكن أن ينسحب على ملف رئاسة الجمهورية من ضمن تفاهمات دولية إقليمية حول لبنان، لكن يمكن الا ينسحب عليه لاختلاف حسابات الأطراف بين الملفين، والعكس بالعكس، أي يمكن لأي تطور سلبي في ملف الترسيم أن ينعكس أو لا على الانتخابات الرئاسية تبعاً لآفاق ونتائج المسارات الإقليمية والدولية الجديدة . 

 


الأكيد في كلذلك ان أياً من الأطراف اللبنانية لم يُظهر بعد أوراقه الرئاسية.

 


قبل الوصول إلى البحث في أسماء المرشحين فإن السؤال الأساسي هو كيف سيلعب حزب الله، ومن ورائه إيران، الورقة الرئاسية، هل ضدّ أميركا بالمطلق او بين بين، وما هوالدورالسعودي في الانتخابات الرئاسية، وهل من رغبة للعب دور فيها، وكيف سينعكس على الساحة اللبنانية، ناهيك بالسؤال القديم الجديد عن حدود الإمكانية الفرنسية للعب دور وسط كل هذه الأدوار والتناقضات.

 


كلّها أسئلة متداخلة لم تتضح أجوبتها بعد، ولذلك فان الانتظار ما يزال اللاعب الأبرز في الانتخابات الرئاسية حتّى الآن. 

 


ختاماً يمر لبنان في هذه الفترة اصعب اوقاته، وسط التخبط الداخلي حول التوافق على الاستحقاقات المقبلة لاسيما الانتخابات الرئاسية،بالوقت الذي تحذر التقارير الدولية بتفكك لبنان فهل سينزل اصحاب المقام عن الشجرة .