كان الأنّاس، أي عالم الانتروبولوجيا، نيموونداجو، قد تزوج إحدى نساء القبيلة التي كان منصرفاً على دراسة أحوالها، ويروي كيف أنّ أهل القبيلة كانوا ينتحبون شفقةً عليه كلما ذهب ليزور بلاده الأصلية، نظراً لتلك الأهوال التي لا بدّ أن يعانيها بعيداً عن المكان الوحيد-قريتهم- الذي يستحق عناء العيش فيه. والله معهم حق، إذ كانوا يتخيّلونه سيزور بلداً من بلدان منطقة الشرق الأوسط القديم أو الجديد، سيّان، ولعلّ الجديد لا يقل سوءاً عن القديم. فلربما تخيلوه سيقع فريسة نظامٍ من أنظمة الاستبداد القديمة. وقد يلتقي وجهاً لوجه بأحد رموز الديكتاتورية القديمة، كصدام حسين أو حافظ الأسد، أو القذافي، والعياذ بالله، فيشهد مشاهد تشيب لها الولدان. أو يتخيّلونه سيحلُّ ضيفاً على بيروت هذه الأيام، ليجدها غارقة في ظلامٍ حالك، ولا يسلم من روائح نفاياتها والمُولّدات الكهربائية التي تعمل على مدار الساعة ، ولربما اضطُرّ للوقوف في طوابير الذّل للحصول على ليتراتٍ من البنزين، ولربما صادف مروره أمام مرفأ بيروت أثناء تفجيره المُروّع في الرابع من شهر آب العام الماضي، أمّا إذا قصد بغداد، عاصمة الخلفاء العباسيين، حيث إن سلم من سيارةٍ مفخّخة، فلن يسلم من إصابته على يد انتحاري مُستعجلٍ لقاء ربّه، وحورية في انتظاره. أو ربما وقع بين يدي داعش أو النُصرة أو الحشد الشعبي أو سرايا المقاومة، أو أجهزة النظام السوري التي ما زالت فاعلة، وذلك لأتفه سبب كان، فينالُ من الأهوال ما يستحقُّ الدموع التي ذرفتها عيون أبناء قبيلة زوجته الحبيبة