لم يكن الفجر بدراً، إنما قمراً مكتملاً ومنيراً، وروحاً مصطفاة من مصطفينا، ليُبلِّل أجفان الفجر بضوء الصبح، لوضوء المصلين، وليصبح الحلم نوراً ونهراً وماءً، لنرتوي بعد ضنين الظمأ، لجلسةٍ وقريةٍ ما زلنا ننتشر في دروبها دغشةً تحت ضوء مئذنة المزارعين والفلاحين وهم يُصلُّون صلاة الاستسقاء تحت سماء صيف حبيس الماء والمطر، قد يأتي بسواعدكم موسم حصاد البيادر بميلاد القمح والسنابل القمحية الآتية من نهر كفرصير إلى غلال عدشيت... لم تكن المسافة بيننا وبينكم، بأكثر من بابين مفتوحين وموصَلَين بحبلٍ من الله والناس، لنشرب من كرم النهر ماء غنىً، بعذبٍ وفرات، نأتيك بلا تعب وعناء، بل بلا تكليف وتكلُّف، وتأتينا بلا فواصل، تجيبنا إن سألناك، وتبتدئنا إن أتيناك ـ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ـ بيننا وبينكم أكثر من جدول ماء، بل لغة وإيمان وأخلاق ودليل، ـ ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ـ  ويجري لمستقر، وتجري في عروقه دم الفقراء والمعوزين، وتفوح منه رائحة تراب الجنوب، وإنسانيٌّ يبزغ منه ألم المستضعفين ووجعهم، واضحٌ كوضوح شمس النهار ووضح الليل،  لا يعرف المواربة، ولا يحترف التعقيد، تراه دائماً يجانب اليسرَ والتبسيط في المحاورة، ومحكومٌ في سياقٍ يشبه الإسراء في القرآن ـ سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً ـ يكشف الغطاء عن قناع الوجوه المالحة، ويوزِّع الخير في مواسم الخير، قنديل وجه المنير متواضع، وعفَّته منذورة للحرمان، وسبيله يتوضأ منه عابرون، ويشرب منه ضامئون، لتكتفي العيون الساهرة، وتستريح شتلة التبغ، وتكفّ اليمامة عن الهديل، ويطرد النعاس من حقل العمر في أشواك المشاتل، وتستريح العظام من شمع الأصابع.... دفعتم من خلال التزامكم الأخلاقي والديني إلى بذل بعض المشاريع الخيرة لاستكمال الخطوات نحو رفع شيء من الحرمان ، وتبقى سواعدكم مؤثرة ووازنة في مشروع الطاقة من خلال مساهمتكم في رفع الأعباء عن أهلك وناسك وخاصة في أحلك الظروف التي نعيشها اليوم، نوركم يتسع لما في أعينكم من أحلامٍ لا يمكن رؤيتها أو استبصارها إلا من خلال النظر إلى ما في جباهكم وقلوبكم المبحرة على لجٍّ من جمال الأوطان..نوركم يسعى معكم، ليتدلَّى البدر المنير ـ فكان قاب قوسين أو أدنى ـ من غيمة السماء، إنها الأخلاق فهي سِمَتِكم وسَمْتِكم ودليلكم، فهذا نبينا محمد (ص) في وضح الليل يقوم بخدمة الناس وهو يقول: (خيركم خيركم لأهله)..