بعد الهزيمة النكراء التي حلّت بالأمة العربية في الخامس من حزيران عام ١٩٦٧، والتي انتهت باحتلال إسرائيل أراضي ثلاثة دول عربية من دول الطّوق، بالإضافة إلى احتلال ما كان قد سلِم من الأراضي الفلسطينية التي احتُلت عام ١٩٤٨، أي الضفة الغربية وقطاع غزة، ورفعت الأنظمة العربية التي خسرت الحرب شعارات: إزالة آثار العدوان، وللأسف الشديد ما زالت تلك الآثار ماثلة للعيان، بعد أن تعزّزت وتوسعت وتوثّقت هذه الأيام، ووقفت يومها الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وقفة عزٍّ وفخار، فحظرت إنتاج النفط وتصديره إلى أميركا وأوروبا، حتى عُقدت القمة العربية الرابعة في مدينة الخرطوم، وذلك في أواخر شهر آب عام ١٩٦٧، وخرجت باللّاءات الثلاث، لا صُلح، لا اعتراف، لا تفاوض، وأوصت تلك القمة برفع الحظر عن إنتاج النفط وتصديره، بهدف دعم صمود الدول التي تضرّرت من العدوان الإسرائيلي، وكان أن ارتفع سعر برميل النفط الخام من ثلاثة دولارات إلى حوالي الأربعين دولاراً، ممّا سمح بعد ذلك بوفرة مالية ضخمة للدول المنتجة للنفط، وصحا بعدها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر من "سكرته" القومية، والتي كان يطيب له في عزّها شتم آل سعود،  والنَّيل من كرامة حكام الخليج،  ومهاجمة الرجعية العربية باعتبارها مجرّد ذيل للإستعمار الغربي.


ما أشبه اليوم بالبارحة، العدوان الإسرائيلي ما زال مستمراً منذ نكبتي ١٩٤٨ و١٩٦٧، وطرأ عليه تطورٌ خطير، هو التّمدد الإقليمي الإيراني، ووضع اليد على ثلاث دول عربية (حتى لا نقول احتلال)، هي اليمن وسوريا ولبنان، مع التلاعب المتواصل بمصير العراق ومصير دولته وشعبه، وفي ظلّ احتدام الحرب الروسية- الأوكرانية وتداعياتها الدولية الخطيرة، عاد الغرب، والولايات المتحدة الأمريكية بالتحديد لِيُدرك مدى حاجته للطاقة، والتي يمتلك العرب مخزوناتٍ ضخمة منها، وما زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة خلال الأسبوع الماضي، إلاّ تعبيراً واضحاً لمدى خطورة الأزمة الخانقة التي تُحيق بالغرب هذه الأيام، إلاّ أنّ لاءات الخرطوم الثلاث دغمها الأمير محمد بن سلمان بلا واحدة: لا زيادة في إنتاج النفط، طالما "العدوان" الإيراني ما زال يحظى برعايتكم، أو بغضّ النظر عنه في أحسن الأحوال، وما طرحكم حلّ الدولتين في فلسطين المحتلة سوى تضليلٍ مقصود، لم يعد ينطلي على أحدٍ في العالم العربي والإسلامي والعالمي.