إن الإمساك بالبيئة الشيعية وتحصينها هو بالدرجة الاولى حمايتها اليوم من الفقر والجوع وتأمين الحد الأدنى من مستلزمات الاستمرارية والحياة والذهاب نحو الرعاية الصحية والمعيشية بتأمين الخبز والدواء والاستشفاء بعيدا عن لغة التخدير واللعب على المعتقدات والعواطف وبعيدا عن لغة الاستغلال والاستقطاب الديني.
 
"سلام يا مهدي" الانشودة التي حظيت بانتشار واسع، وفعلت فعلها في الأوساط والمجتمعات الشيعية، ومرّت على بعض هذه المجتمعات مرور الكرام وانتهت كحدثٍ آني لم يتعدّ زمانه ومكانه. في لبنان فقط كان المهدي (صاحب النشيد) حاضرا، وقد نظر إلى فقراء الشيعة في هذا البلد المنكوب والمنهوب والمسلوب نظرة أخرى، نظرة خاصة يستحقونها نظرا لآلامهم الجسام، وأظهر رعايته لتلك الحشود من الأطفال والصغار ليقدم لأحدهم دراجة هوائية، نزلت كمائدة من السماء واستحقت التصوير والتهليل والتكبير وكانت خاتمة التظاهرة الإعلامية لنشيد "سلام يا مهدي" . وما بعد هذه الدراجة ليس كما قبلها فقد لامست هدية المهدي قلوب الشيعة كبارا وصغارا وردد بعضهم بشكل عفوي "إذا كنت في الجوار فألق نظرة علينا" فتحول المهدي وهو الإمام الثاني عشر لدى الشيعة الإمامية من رمز مخلص في الوجدان الشيعي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا، تحول هذا الإمام إلى ألعوبة وبلغة أخرى إلى "بابا نويل" الشيعي. من الجميل أن يحتفل الشيعة بإمامهم الثاني عشر ومن الجميل أن يتزود الشيعة بالمعرفة الدينية عن إمامهم، ولكن أن يتحول الأمر إلى مشهد من مشاهد الاستغلال والتسقيط الديني والثقافي والسياسي وبهذه الطريقة إنه لعمري الإنحدار في طريقة الإحتفال والتقديس والاستغلال، حيث أصبح هذا المهدي يتجول بين الناس وكشف عنه الحجاب وأخذ يوزع الهدايا وهو الإمام الغائب . إنها كارثة حقيقية على التشيع وعلى عقيدة المهدي إظهاره بهذه الطريقة، وإنها كارثة حقيقية أكثر من أي وقت مضى درجة الإستغلال والإستخفاف بعقول الشيعة صغارا وكبار، وقد كانت هذه الأنشودة لتمرّ مرور الكرام كما حصل في العديد من الدول لولا أنها خرجت في لبنان عن مقاصدها، لتتحول إلى مظهر من مظاهر الاستخفاف بالعقول من جهة، والاستغلال المسيء من جهة ثانية في وقت يرزح فيه فقراء الشيعة تحت خط الفقر، وينازعون العوز والجوع، وهم الصابرون على "الإنتصارات" الموعودة والخيارات المفروضة ويعضون على الجراح. اختار حزب الله أن يكون أستثناء في الإعداد والتحضير لهذه الانشودة ونجح في التسويق الإعلامي، لكنه وقع في سوء الإستغلال ووقع أكثر في الإساءة لقدسية المهدي وظهر بشكل فاضح مستغلا لبراءة الأطفال ولعواطف الشيعة وولائهم للمهدي وأهل البيت (ع) ورغم ذلك اشترى صمت الأكثرية الشيعية الساحقة على إخفاقاته وفشله في مقاربة الملفات والأزمات المعيشية، وأجهض بؤر الإحتجاجات داخل البيئة الشيعية على الأزمات المعيشية بصفته مسؤولا وحاضنا لهذه البيئة، كما استطاع أن يلعب على الوجدان الشيعي الذي يؤمن بالغيب سبيلا للخلاص فأسقط من جديد في العقول والقلوب شعارات الصبر والبصيرة وانتظار الفرج. وهكذا يستمر الحزب في الإمساك بزمام السلطة والقرار على الأقل في البيئة الشيعية في وقت بات فيه لبنان على فوهة بركان ربطا بالأحداث الجارية في المنطقة. إن الإمساك بالبيئة الشيعية وتحصينها هو بالدرجة الاولى حمايتها اليوم من الفقر والجوع وتأمين الحد الأدنى من مستلزمات الاستمرارية والحياة والذهاب نحو الرعاية الصحية والمعيشية بتأمين الخبز والدواء والاستشفاء بعيدا عن لغة التخدير واللعب على المعتقدات والعواطف وبعيدا عن لغة الاستغلال والاستقطاب الديني.