منذ فترة وجيزة أوعز حاكم مصرف لبنان المركزي بتحويل مبلغ ستين مليار ليرة لبنانية( الذي يملكه صندوق تعاضد القضاة) إلى الدولار "الفريش"، اي القابل للاستعمال، وأثارت هذه الخطوة يومها عاصفة من الاحتجاج من جانب سائر الهيئات الضامنة، وما لبث حاكم مصرف لبنان أن أوعز هذا الشهر بتحويل رواتب القضاة إلى الدولار حسب السعر الرسمي( اي ألف وخمسمائة ليرة)، ومن ثمّ تحويله إلى ما يُسمّى "باللولار"، أي ضرب المبلغ بسعر صرف ثمانية آلاف ليرة للدولار، أي ما يعني ضرب رواتب القضاة بالليرة خمسة أضعاف، أي أن من كان راتبه ثمانية ملايين ليرة، بات راتبه يربو على الأربعين مليون ليرة، وهذا فيه عدلٌ وإنصاف، لهذه الفئة من الموظفين الملقاة على عاتقهم مسؤولياتٍ جسام لضبط العدالة وتطبيق القوانين وحُسن الإنتظام العام للدولة والمجتمع على السواء، إلاّ أنّ المؤسف والمستهجن والمُستفز، هو أنّ هذا التدبير إنتقائي واستنسابي، ويضرب حقوق سائر الموظفين( بما هم مواطنون في المقام الأول) بالمساواة في الحقوق والواجبات،إذ يمكن لحاكم مصرف لبنان، (مهما بلغ من القوة والتّعسّف والإستبداد) أن يتجاهل حقّاً دستورياً يكفل مساواة جميع اللبنانيين في الحقوق والواجبات! اللافت في هذا المقام ما ورد أنّ بعض القضاة( لا ندري عددهم، وهذا لا يهم كثيراً) رفضوا هذا التمييز المخزي بينهم وبين سائر قطاعات موظفي القطاع العام، الذين يعانون ما يُعانيه القضاة وغيرهم، ويكابدون طوال الوقت ليبقوا على قيد الحياة، وتأكيداً لرفضهم هذا أصرّوا على قبض رواتبهم قبل التمييز المجحف بحقّ زملائهم في القطاع العام، وإذا صحّ هذا الخبر، ولعله صحيح، فهذا يعني أنّ القضاء بخير، وأنّ في لبنان رجال دولة يمكن الوثوق بهم، والاطمئنان إلى أنّ العدالة ما زالت بخيرٍ وعافية.