عذراً يا رسول الله (ص)، لن أخرج إلى اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً، لن أغتسل صباح العيد بماء الصلاة والبكاء، لن أصلي في مقبرة القرية أو المدينة أو الحيّ الذي أسكن، ورائحة العفن تخرج من أنوف الزواريب والممرَّات الضيقة، وأفواه أكثر المصلين تأكل أجساد إخوتهم الساجدين والقانتين في آناء الليل وأطراف النهار... لمن العيد؟ ونحن نعيش كومة بؤسٍ في مقبرة الوطن وجبَّانة الأحزان، ونعبثُ خلف الأضرحة، وما بين الأموات والتراب، كأننا لا نعرف أنَّ خلف سدول الليل، أضواء مدينة، وبيوت من مرآة، وكنَّا نظن أنَّ بقعة الأشباح هي كل الأرض، وأنَّ الأموات هم الأحياء، إنه عيدٌ يزيد في غربتنا غربة، ويجعل فقرنا فقراً على مقربةٍ من جنةِ منتجع الأغنياء والسماسرة ولصوص السياسة وباعة الأوطان والميتة والدم ولحم الفقراء... وربما نصحو ويصحو الأحياء الموتى إذا ما انتبهوا، وربما يظن الأحياء أنهم يشيِّعون الموتى ولا يدرون أنَّ الأموات الذين يظنونهم نائمين في الصناديق هم الذين يحملون نعوشهم، والبعض يعتبر المقابر من حيث تتواجد اللحود والشواهد ورميم العظام، ولا يعلم أنَّ المقابر هي مدن الفقر وقرى الفاقة وشوارع التسوُّل وطوابير الذل وأحياء الجهل وأوطان الغربة... من سيعيِّد؟ الزعماء ورجال الجبت والطاغوت، ومن يفرح في يوم العيد؟ هم القادة والسلطة والنواب والوزراء والمسؤولين وأبنائهم وأصهرتهم من الدينيين والسياسيين، وأما الفقراء والأرامل وأبناء الشهداء والمظلومين والأيتام والمشردون فلهم الحسرات والندبات والتنهدات والويل والثبور وعظائم الأمور، وأما المتزعمون فلهم الأكل والقصور والسيارات والخدم والإسراف والتبذير، ولكم يا أبناء الله الجوع والعطش والأجساد العارية والأكواخ وحرارة الشمس والتعب والفاقة والرمال والطرقات والدهس والدعس والموت المجاني. عذراً يا رسول الله (ص) في هذا اليوم أحاول أن أرثوَ نفسي الضائعة بين إمارةٍ وأمَّارة في بلد تتقاذفه أمواج متلاطمة ورياح عاتية، وأن أهرب إلى رحمةٍ تنجيني من عذابٍ أليم، فإلى متى يا نبي الله نعبدُ أصناماً بعد أصنام، وإلى متى سنظل نقول بأفواهنا ما ليس في قلوبنا، وإلى متى سنبقى نستظل بشجرةٍ تقلَّص ظلها، وإلى متى سنظل نبتلع السموم ونحن نظن أنَّ الشفاء فيها. وسأبقى أعتذر يا رسول الله (ص) ونحن نعاين الداخلين من مقابرنا إلى حياة جناتهم ونحن نفصِّل أكفانهم ونبني أحجار برازخهم ونردم لحودهم ونُسرع الخطى عائدين إلى قصور زينتنا ولا نهتم بيوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلاَّ من أتى الله بقلبٍ من تراب الفقراء والمحرومين.