لطالما كانت الأوساط الفاعلة في الطائفة السُّنّية الكريمة، بحاجةٍ ماسُة إلى رعايةٍ عربيةٍ لضبط منعرجات السياسية اللبنانية المُتقلّبة والحساسة والمعقّدة، وبدا ذلك جليّاً إبان الحقبة الناصرية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وما نشوء عددٍ من التنظيمات الناصرية في تلك الحقبة، سوى دليلٍ ظاهرٍ على ذلك، وتلاشت تلك التنظيمات عقب الحرب الأهلية اللبنانية(١٩٧٥-١٩٩٠)، بعد قضاء نظام الوصاية السورية على آخر معاقل تنظيم المرابطون بزعامة إبراهيم قليلات، وبرز دور المملكة العربية السعودية واضحاً وضرورياً ومحموداً بعد ذلك، عندما رعا خادم الحرمين الشريفين الإجتماع النيابي اللبناني في مدينة الطائف، والذي أفضى إلى اتفاق الطائف في تشرين الأول عام ١٩٨٩، والذي بفضله انتهت مأساة الحرب الأهلية التي دامت لأكثر من خمسة عشر عاماً، ورسّخ اتفاق الطائف مساراً واضحاً للسلم الأهلي بين الأفرقاء اللبنانيين المتناحرين، وكان لرئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري دوراً رائداً في هذا المضمار، ولا غرو أنّه عاد إلى وطنه لبنان رئيساً للحكومة اللبنانية من مقرّ إقامته في المملكة العربية السعودية، ليخوض غمار إعادة تعمير ما دمّرته الحرب، ولمّ شعث الدولة اللبنانية المتهالكة، إلاّ أنّ القوى والميليشيات التي أرادت أن يكون لبنان ملعباً فارغاً لها، وِفق الطموحات التوسعية الإيرانية في المنطقة العربية، وصولاً إلى الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، فبذلت جهدها لوقف مسار الدولة اللبنانية، وإزاحة الرئيس رفيق الحريري من الساحة السياسية، وكان لها ذلك باغتياله في الرابع عشر من شباط عام ٢٠٠٥.

 


بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري المُروّع، خرج النظام السوري من لبنان تحت ضغطٍ دوليّ فاعل، وتولّت قوى الرابع عشر من شهر آذار إدارة الصراع مع الذراع العسكرية الإيرانية الفاعلة في الأوساط السياسية اللبنانية( والوسط الشيعي خاصة)، بقيادة نجل الرئيس الراحل، الرئيس سعد الحريري، ولم تتوانَ المملكة العربية السعودية بعد ذلك عن مدّ يد العون للبنان واللبنانيين وسعد الحريري بالذات، إلاّ أنّ الحريري الإبن سرعان ما وقع في حبال حزب الله وانتهى بين أحضانه، وذلك عبر مهادنة طويلة معه بلا مُبرّر، وذلك من خلال حوارٍ عبثيٍ معه، بحجة تخفيف الإحتقان المذهبي، وهذا ما أفضى عمليّاً إلى هيمنة حزب الله على معظم مواقع الدولة الرسمية ومرافقها وأجهزتها، بما فيها الأمنية،  وذلك في إطار خُططٍ مُمنهجة، لإلحاق لبنان بركب المصالح الاستراتيجية الإيرانية، وهذا ما دفع بالمملكة العربية السعودية للإحتجاج على هذا المسار المُدمّر للكيان اللبناني ونظامه، فاضطرت بعد ذلك للإنكفاء عن الإهتمام بالمصالح الحيوية للشعب اللبناني ( وبالطائفة السنية في المقام الأول)، وهذا ما أعاق لفترةٍ من الزمن تنظيم مواجهة جادّة وضرورية في وجه حزب الله، الذي ما زال يتمدّد في مسام الجسم اللبناني بأكمله، حتى كانت عودة الإهتمام المطلوبة والمباركة من جانب المملكة العربية السعودية ووليّ عهدها سموّ الأمير محمد بن سلمان، عبر إطلاق المشاريع الإنمائية المدعومة من الصندوق الفرنسي-السعودي، وعبر النشاط اللافت المحمود لسفير المملكة السيد وليد البخاري، لإحياء ما يمكن القيام به،  من إعادة تفعيلٍ للدُور الهام، والمحوري للمملكة العربية السعودية في لبنان، وهذا جهدٌ مباركٌ وضروري للبنان الوطن والإنسان، لا بُد من متابعته والحدب عليه.