عرفته عن قرب، لجةُ شمسٍ قريبة، مثله مثلي، ومثلي مثله، ومثلكم تماماً، أبعدنا الدهر، قليلاً، ومن ظنَّ بأنَّ الدنيا قد أسلست له قيادها، وقدَّمت له أعنَّتها، فهو واهمٌ،لأنَّ الدهر من عاداته، طعنه بالكرام... بعد فراقٍ لا يطول، التقيته يغور في لُجةِ الأبعد، تطلع البسمة من لمى الفم الأبيض، وتظنه الشمس قد أوتي في وردة غسقِ الغسق، والشمس توقظ قفير النحل في براري الأرض، يحتسي شَهْد الإله، وتحرسه أملاكٌ من دون أن تراها العين، وتراك، وتراه متنقلاً بين كَرْمٍ وكَرَمٍ ـ ـ وجنى الجنتين دان ـ ..... أنَّى توجَّهت... فثَمَّ وجه الشمس، والبحر، والموج. أنَّى يمَّمْت... شطر الأرض، فثَمَّ صوت الضعيف الفقير ـ بصوت بلال ـ .. هو موحِدٌ صوفيٌ، يتوحَّد، بل توحَّد، فلا معاناة وآلآم، شرَّع أبوابه وعينيه ورئتيه، ليل نهار، صيفَ شتاء، تجالسه عن قرب، وجالسته، فيمسح عنك بقايا كابوسٍ من الكوابيس، تكتشفه، وكشفته، إنَّه قريبٌ من أهل البيت، وهو يكتشفك، ويكشف ذلك... يأتي واقعاً، خارجاً، داخلاً، بل حقيقة، بلا وَجَلٍ أو تردُّدٍ أو حرج، يختار مقعد حوارٍ له، في أية زاوية من الزوايا الأربع، ويجلس بجوارك وقربك بهدوءٍ بارق، وبوعي باطن، وبصوفية ساطعة ـ لا الشمسُ ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلٌّ في فلكٍ يسبحون ـ إنَّه قريب، بعيد، لكنه مقيمٌ لفرط إقامته وحضوره الدائم، والأبدي، باستمرار، تتوهم أنه يذهب ويأتي، وإذا سألت عنه، تراه أمام عينيك ـ فإذا فرغت فانصب ـ وفرغ مع ربه وتوحَّد، بلا فاصلة، بل وفواصل ـ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ـ والله المتعالي وتعالى الله، يأخذ بيد المُوحِّد الكريم، كلما عثر، لأنَّ الكرم، الطيبة، العطاء، شجرة من أشجار الله، أغصانها داليةٌ متدلية، كدفلى على نهر جنة، ومن يقطف غصناً منها، وقطف، فقاده الغصن إلى كنف الله سبحانه وتعالى.... بيننا وبينه وبين الشمس والبحر والموج، شمسٌ ولغة، كما الفلاح يوقِتُ بالشمس ـ ظلاً وحروراً ـ وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارجٍ منها ـ ولا يستوي الأعمى والبصير ـ قل لا يستوي الخبيث والطيب ـ ولا الظلمات ولا النور ـ أُكُلُها دائم وظلها ـ فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ـ فالبحر والشمس والموج، لا يخشون فساداً ولا دنساً ـ فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ـ إنه الوعيُ المطابق للذات ـ دنى فتدلَّى ـ مسافته صوفية لطيفة جداً جداً ـ ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ـ .. إنه بيتٌ من بيوت النوارس المهاجرة إلى شواطئ الإطمئنان، من بيت أبيه الشيخ الجليل المتفرِّغ للحب والبذل، وفتح بوابة الإيمان والضمير والإحسان ـ وما جزاء الإحسان إلاَّ الإحسان ـ بارتياح النفس وإطمئنان القلب.... إسمح لنا أن نفرغ دعاء القلب، وما تبقَّى في الروح، ودعنا نشمُّ ونشتمُّ روائح الحياة الطالعة من ربيع السور والآيات، وآياتك الكبرى..... كتبتها... وكأنني أكتب لأول مرة، لجلسة سمرٍ صوفيةٍ تمَّت فجر ضوء الإثنين، بتاريخ : 4 / تموز / 2022م... أخوكم الشيخ عباس حايك