معظم الكتل النيابية المؤلفة من نواب البرلمان اللبناني، قبل الاستشارات غير الملزمة التي يجريها رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، إلا وأعلن أنه يجب تسريع ولادة هذه الحكومة لكي تقوم بما عليها من أجل معالجة المشاكل الحياتية المتفاقمة في البلد. وتكرار القوى السياسية كافة لمواقف من هذا النوع دفعت بمراقبين إلى التساؤل عما إذا كانت الضغوط الدولية لتأليف الحكومة بسرعة ستفعل فعلها وتؤدي إلى مفاجأة تعاكس التوقعات بفراغ حكومي، ثم رئاسي بانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون بعد 4 أشهر، مثلما حصل مع الانتخابات النيابية التي جرت بعد ضغط دولي كي تجري في موعدها. الكتل النيابية تباينت في تحديد ما هو مأمول من هذه الحكومة، بين من يريد لها أن تقر الإصلاحات التي يشترطها صندوق النقد الدولي من أجل أن يصبح الاتفاق الذي وُقع معه في 7 نيسان الماضي نافذاً، ومن يكتفي بالطلب منها في الأشهر الأربعة المتبقية من عمرها قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية أن تتخذ تدابير تؤمن الطحين للبلد الذي عانى في الأيام الماضية من فقدان الخبز في الأفران وضبط سعر صرف الدولار وبين من يقتصر طموحه على تأليفها كيفما كان، ومن دون الإصرار على تقاسم الحقائب فيها بين الفرقاء كما هي العادة لتؤمن مناخ انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية فتتولى سلطاته وفق الدستور إذا حصل فراغ في الرئاسة بخروج عون من القصر الرئاسي. حتى اصحاب الباع الطويل نيابياً التي من عادتها الاشتراك في مناورات تأخير التأليف واشتهرت باحترافها إطالة الفراغ الحكومي كوسيلة ضاغطة لتحقيق شروطها، مثل كتلة الوفاء للمقاومة ، ونواب تكتل لبنان القوي برئاسة النائب جبران باسيل الذي اعتاد اللبنانيون على مدى السنوات الماضية أن تؤدي مطالبه بالحصص الوزارية والحقائب إلى تأخير ولادة الحكومات عدة أشهر بسبب هذه المطالب، أكد نوابه على ضرورة التعجيل في التأليف. لكن باسيل لم يفته التذكير خلال الاستشارات النيابية من أجل تسمية الرئيس المكلف امتنعت كتلته عن التسمية بمطلبه الأساسي الذي يصر عليه وعون منذ سنتين وهو إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي ماطل ميقاتي في الاستجابة له على الرغم من وعده لرئيس الجمهورية باستعداده لتنفيذه، وذلك لرفض أكثر من فريق ممثل في الحكومة الانزلاق إلى تسمية بديل عنه يسميه العهد المنقضية حتى لا يتحكم باسيل بالقرار المالي بعد انتهاء ولاية عون. والكتل النيابية التي أعلنت عدم مشاركتها في الحكومة، ومعظمها من الفريق السيادي مثل الجمهورية القوية والكتائب واللقاء الدموقراطي ، إضافة إلى التغييريين، استعجلت تأليف الحكومة، وبعضها قال إنه سيساعد في تسهيل التأليف. لكن من يشككون بصحة نوايا بعض الأطراف التي تشدد على تسريع التأليف، يعتقدون أن وراء هذا الإجماع على استعجال ولادة الحكومة عوامل عدة. وأولها أن الأسابيع الماضية حبلت بالتصريحات والتسريبات والمواقف التي تتوقع فراغاً حكومياً، ثم رئاسياً، إلى درجة أن اللاعبين الأساسيين في المشهد السياسي أخذوا يرتبون أوضاعهم وحساباتهم على هذا الأساس. وسادت المعادلة القائلة بأن حكومة تصريف الأعمال ستستمر حتى آخر ولاية عون، وميقاتي يُكلَّف بالحكومة الجديدة من دون أن يؤلف. بل أن الكثير من السيناريوات السوداوية أخذت تُرسَم على أساس أن الفراغ سيؤدي إلى المزيد في التفكك في مؤسسات الدولة، وصولاً إلى التحذير من زوال لبنان بفعل تعطيل الاستحقاقين الحكومي والرئاسي، وبالتالي سيسود شلل الدولة . كما أن الأطراف المتهمة على الدوام بتأخير قيام الحكومات، خلال السنوات الخمس ونيف من عهد الرئيس عون، أي عون نفسه ومعه باسيل، وحليفهما القوي حزب الله والقوى السياسية التي تدور في فلكه، يريدون رفع التهمة عنهم هذه المرة، والحؤول دون تحميلهم مسؤولية الانحدار المتواصل في الأوضاع المعيشية المأساوية التي بلغها لبنان، خصوصاً أن خصومهم الذين استفادوا من النقمة الشعبية على هذا التحالف الحاكم حصدوا نتائج لصالحهم في الانتخابات النيابية التي جرت في 15 أيارالماضي. وهم لا ينفكون عن تحميل تحالف عون - حزب الله مسؤولية ما آل إليه الوضع الكارثي في البلد بسبب قصور الأكثرية الحاكمة السابقة عن التخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي ضربت لبنان منذ خريف عام 2019، على المواطنين، وعجزها عن مباشرة الحلول المطلوبة من المجتمع الدولي منذ العام 2018 والقيام بالإصلاحات البنيوية. هذه التوقعات بالفراغ الحكومي كانت استنفرت العديد من المراجع محذرة منه. فمنذ أسابيع لم يتوقف البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي عن التنبيه من خطورته. وأدى القلق من هذا الفراغ إلى صدور بيان مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان ليؤكد على وجوب قيام الحكومة في سرعة. وكذلك فعلت دول أوروبية أخرى. فممثلو الدول الأعضاء في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي يتابعون اتجاهات القوى السياسية والعقد التي ينطوي عليها الوضع السياسي اللبناني، مع كل تداخله مع الصراعات الإقليمية وهم ينادون في بياناتهم الرسمية منذ ما قبل الانتخابات النيابية بوجوب تنفيذ الاستحقاقات الدستورية، أي الانتخابات التشريعية، الحكومة الجديدة وانتخاب البرلمان الجديد الرئيس الجديد بانتهاء ولاية عون أي قبل 31 تشرين الأول.