إن مجتمعاً يعتبر أن خرقة من القُماش توضع على الرأس كفيلة بجعل حاملها بمصافي ورثة الانبياء هو مجتمع لا أمل فيه بالتقدم والرقي، وهو مجتمع سوف تسوده الخرافة والجهل، وتعطيل العقل حتما، وهذا ما يعمل حزب الله على ترسيخه بشكل ممنهج لضمان استمرار مشروعه السياسي
 
"لا يشرُع أبداً أن يكون المُنتمي إلى الجسم الديني حزبياً". هذا ما قاله الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى "رحمه الله" ولطالما ظَننَّا يوم أطلق حِكمته البالغة هذه بأن المُستهدف هو الأحزاب الدينية وفي مقدمها "حزب الله" وأن المقصود هو التهجم على حزب الله حصراً، ولم نكن ندري البُعْدَ الفكري والعملي لهذا الموقف، وما يتضمنه من بُعْدٍ بعيد المدى في رشده، يكشف عن المخاطر العظيمة التي يصنعها رجل الدين المُعَمَّم حينما يكون حزبياً. فإذا كانت الوظيفة المفترضة لرجل الدين المُعَمَّم كما هو متوقع، العمل وفق ما تمليه عليه منظومة القيم الدينية وفي مقدمها إحقاق الحق ومحاربة الظلم من أينما صدر، وبالأخص العمل على رفع راية العدل والقسط بين الناس، وهذا ما يمثل جوهر مقاصد التعاليم الدينية " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ... " أما رجل الدين المُعَمَّم الحزبي، فهو على النقيض تماما من هذه الوظيفة المُدَّعاة، فإنه يجعل من عمامته وجُبَّتِهِ ولباسه متراساً لإنتمائه الحزبي، ويجعل من موقعه الديني منصة للدعاية والترويج الحزبي، حتى ولو تناقض مع الحد الأدنى للمعايير الدينية، كالترويج لإنتخاب فاسد من هنا، أو تعميم ثقافة التبعية العمياء، وتقديس الزعامات على قاعدة "إشهدوا لي عند الأمير". ولذلك فقد عَمَدَ حزب الله على تصنيع وتفريخ عمائم بكثافة، وأطلقها في القرى والمدن، مع تقديمات مالية سخية، ومميزات تناسب الدور المُنَاط بهم، حتى أننا في الجنوب "مثلاً" وفي منطقة النبطية على وجه الخصوص حيث نعاني من وجود طبيب للأمراض السرطانية في كل المحافظة، نجد أن في قرية واحدة (عدشيت) فيها ما لا يقل عن 40 مُعَمَّم وطالب علوم دينية!!!. والملفت هنا، أن وضع العمامة على رأس أحدهم، لا يستدعي كثير عناء، فكل المطلوب هو تسجيله باحدى ما يُسَمى بالحوزات الدينية، ودراسة مناهجها البالية المقتصرة على القليل من النحو، وعلم الكلام، والقليل من الأحكام الفقهية التي أكل الزمان عليها وشرب. واما فن الخطابة وهذا الأهم فكفيل بجعله مُتَقَمِّصاً لدور العالم بكل مناحي الحياة من السياسة، مرورا بالإقتصاد، وعلم الإجتماع، وصولاً ليكون حبل الله المدود من السماء إلى الارض!!!. ومن ثم نسال لماذا مجتمعاتنا أضحت في مقدمة المجتمعات المتخلفة، وساد فيها الفساد والفوضى والجوع والفقر، وكل معاني التخلف والقهقرة؟ والجواب بمنتهى البساطة: إن مجتمعاً يعتبر أن خرقة من القُماش توضع على الرأس كفيلة بجعل حاملها بمصافي "ورثة الانبياء" هو مجتمع لا أمل فيه بالتقدم والرقي، وهو مجتمع سوف تسوده الخرافة والجهل، وتعطيل العقل حتما، وهذا ما يعمل حزب الله على ترسيخه بشكل ممنهج لضمان استمرار مشروعه السياسي.