اعتقل أحد الملوك رجل اسمه ـ خويلد بن عتبة ـ وكان هذا الرجل معروفاً بأنه نصَّاب ومحتال، وقد كثُرت عليه الشكاوى من الناس، وقبض عليه الملك واستدعاه، فسأله: كيف استطعت أن تنصب على الناس؟ فأجابه: يا ملك الزمان بخبرتي وذكائي. فقال له الملك: أريدك أن تنصب وتحتال أمامي، فقال النصَّاب: ليس معي عدَّة النصب يا سيدي، فقال الملك: ما هي عدَّة النصب التي تحتاجها؟ فقال: أريد بَكَرَة خيط قطنٍ وشمع. فقال الملك للخدم: اجلبوا له العدَّة التي طلبها، فجلبوا له بَكَرَة خيط القطن والشَّمع. فقال للملك: سيدي أول خطوة من خطوات النصب هي أن نُشمِّع خيط القطن، إلتقط يا مولاي طرف الخيط، وصار خويلد يفك البَكَرَة ويُشمِّع الخيط، وخرج من قاعة الملك ومشى في ممرَّات القصر وهو يُشمِّع الخيط، ثم خرج من القصر وهو يمشي في الشارع ولا زال يُشمِّع الخيط، نظر حوله فلم يَرَ أحداً، فرمى الخيط وهرب، والملك لا يزال ماسكاً بطرف الخيط وهو ينتظر، وينتظر، وينتظر، طال الإنتظار، فسأل الملك: أين هو؟ فأجابوه شَمَّع الخيط وهرب.... 

نعم، وهكذا تُشمَّع خيوط الساسة في لبنان وفي مجتمعنا، فأدوات النصب في اللغة السياسية والدينية لدى الأحزاب كثيرة جداً، وفي داخل البنية الإجتماعية تستعمل أدوات النصب والصيد على البسطاء والطيبين والفقراء الذين لا حول لهم ولا قوة، فالسياسي رجل خداع، يموِّه الحقائق، ويخلط الحابل بالنابل، لا تأخذ منه حق ولا باطل، تراه أحياناً يشبه ميثم التمَّار أو حبيب ابن مظاهر، وأخرى تراه يشبه ـ هند ـ آكلة الأكباد، لكن شتَّان بين آكلة أكباد الأسود وبين آكل أكباد الدجاج! هذا نموذج لبعض رجال السياسة من الذين ينصبون أفخاخاً على كثير من فقراء الله، ومن ثَمَّ يُشمِّع الخيط ويهرب، وبعض رجال الدين الذين وظفوا لوظيفة الكهنوت، والمتأهب الشرس عن زعيمه وريسه، وقد زاده الله بسطة في الجسم وقلة في الدين والعقل، ولكل سؤال عنده ألف ألف إجابة، وكأنه أحد المبشرين بالجنة أم النار لا أدري؟؟.!!. 

ومن أدوات نصبه، طلي المساحيق لوحشٍ مفترسٍ بأظافره قبل أسنانه، ويقدمه على طبقٍ من صحونٍ مسحوقة بصابون الفاري، للجماهير على أنه ملكة جمال لبنان، بل جمال الكون، بالأرداف والألياف، ومن تَمَّ يًشمِّع الخيط ويهرب. ربما وصلتُ إلى الحقيقة متأخراً بعد أن تجافت عليَّ وتجافيتُ عليها، وفاتني من عمرٍ إذ ذهب أدراج الوعود المتكررة شأني في ذلك شأن الطيبين من الفلاحين والمؤمنين لأنَّ حبة الله بمائة سنبلة، وكنتُ كدرويشٍ من دراويش حلقات الذكر أصحو وأنام على ذكر الله وأسبحه كثيراً وأدعو لمئات المؤمنين ممن ذكرتهم بين الفجر والوتر ليأتي الصباح وتمسح الشمس كل الأسماء.