تستعدّ دوائر القصر الجمهوري ليوم الاستشارات الطويل غداً، على أن ينتهي بإعلان اسم الرئيس المكلف تأليف الحكومة الجديدة، والذي لم تُعرف هويته مسبقاً، على رغم ترجيح البعض إعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي. فبالتوازي، تنشط الحركة على خط نواب المعارضة من «تغييريين» و»سياديين» للالتفاف حول تسمية السفير نواف سلام، في وقتٍ لا يزال تكتل «لبنان القوي» على موقفه من عدم تسمية ميقاتي.

من أبرز النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات النيابية الأخيرة، غياب كتلة نيابية سنية واحدة كبيرة تمثّل «المشروعية السنية» على غرار كتلة «المستقبل»، فانقسم النواب السنة الفائزون بين «قدامى المستقبل» ومستقلّين وحلفاء لـ«حزب الله» أو أعضاء في كتل أخرى. هذا الواقع النيابي ينعكس تلقائياً على الاستحقاقات الدستورية الأخرى، وأوّلها التكليف والتأليف، إذ لم يكن سهلاً تخطّي كتلة «المستقبل» سابقاً في الاستحقاق الحكومي، نظراً الى أنّها كانت تضمّ العدد الأكبر من النواب السنة، فيما الآن، تغيب عن ساحة النجمة أي كتلة سنية وازنة تفرض رئيساً للحكومة أو تُزكّيه.

 

إنطلاقاً من ذلك، يُنظر الى دار الفتوى المرجعية الدينية السنية لتعوّض هذا «النقص»، فيما يؤثِر مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الدخول في الشأن السياسي مباشرةً والغرق في وحول التسميات و«التزكيات». واختصر المفتي موقفه من استحقاق التأليف، خلال لقاءاته مع نواب أمس، حيث شدّد على أنّ «الاستشارات أمانة لاختيار من لديه حكمة ومعرفة ورؤية واضحة لمعالجة الوضع الصعب». وأكد أنّ «دار الفتوى حاضنة لجميع اللبنانيين، ولا تفرّق بين أحد من أبنائها»، داعياً الأطياف السياسية كافة التي تتمثّل في المجلس النيابي الى «توحيد الصف والكلمة لإمرار تسمية رئيس مكلف تأليف الحكومة التي يكون على عاتقها متابعة تحقيق الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من أزماته».

 

لكن غداة موقف دريان، جرى تداول أخبار مفادها أنّ رئيس الجمهورية اتصل بالمفتي طالباً منه تزكية شخصية لرئاسة الحكومة وأنّ المفتي رفض ذلك. إلّا أنّ مصادر دار الفتوى تكتفي بالقول تعليقاً على هذه الأخبار: «لا علم لنا بهذا الاتصال». وتؤكد أنّ «دار الفتوى مع تسمية النواب للرئيس المكلف، وتُبارك أي رئيس يختاره النواب».

 

كذلك تعتبر دار الفتوى أن «لا مشكلة على مستوى الميثاقية السنية في استحقاق التكليف، طالما أنّ نواباً سنّة سيسمّون الرئيس المكلف الى جانب نواب من طوائف أخرى، فهو رئيس حكومة جميع اللبنانيين وليس السنّة فقط، تماماً كما رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، فصحيح أنّ كلّاً من الرؤساء الثلاثة ينتمي الى طائفة الّا أنّه رئيس لجميع اللبنانيين». أمّا بالنسبة الى إعادة تكليف ميقاتي، فتشدّد دار الفتوى على «أنّها مع مَن يختاره النواب، ولا مشكلة مع أي شخصية يختارونها، لا ميقاتي ولا غيره».

 

وإذ يعتبر البعض أنّ ميقاتي يحظى بـ«مشروعية سنية» شعبية وسياسية من رؤساء الحكومات السابقين، كذلك من دار الفتوى، فضلاً عن «الرضى» العربي، الأمر غير المتوافر لدى آخرين، تعتبر مصادر سنية مطّلعة أنّ وجهة النظر هذه غير صحيحة، وبات هناك إمكانية لتكليف أي شخصية سنية تأليف الحكومة. فقبل الانتخابات النيابية الأخيرة، كان هناك «عائق» اسمه سعد الحريري وتيار «المستقبل» باعتباره المشروعية السياسية والمظلة السنية، بينما الآن لا قوة سنية وازنة تعطي رئيس الحكومة هذه الشرعية، فالسنّة مُشتتون ولا كتلة تجمعهم، وحتى لو اجتمعوا لا يكون اجتماعهم على عنوان سياسي. وبالتالي، لا عوائق أمام تسمية أي شخصية سنية لرئاسة الحكومة. فضلاً عن أنّ نادي رؤساء الحكومات السابقين «غائب» بدوره، فالحريري في الخارج، والرئيس تمام سلام مُنكفئ، وميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال، فيما الرئيس فؤاد السنيورة «خسر الانتخابات». إنطلاقاً من ذلك، قد يكون هناك دور متقدّم للمفتي، لكنه محدود أيضاً، بحسب المصادر نفسها، إذ إنّ المفتي لا يقدر لا أن ينزع ولا أن يعطي المشروعية السنية لأحد، لأنّه يكون قد تدخّل بالعمل السياسي مباشرةً.

 

أمّا على المستوى السني العربي والخليجي، والسعودي تحديداً، فإنّ السعوديين، بحسب مصادر مطّلعة، «يجرون عملية تقويم للانتخابات، التي خاضوها مباشرةً، ولم تأت نتائجها كما كانوا يتوقعون. وبالتالي، إنهم يجرون إعادة قراءة للواقع اللبناني. وهذه القراءة مرتبطة أيضاً بالوضع في المنطقة وزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن والتسويات الجارية والمفاوضات السعودية - الإيرانية». وإذ تَلفت المصادر نفسها الى أنّه يجب قراءة جيداً ما قاله بخاري عشيّة الانتخابات عن أنّ «خلافنا مع «حزب الله» ليس في لبنان بل في اليمن»، تعتبر أنّ أي جهة داخلية أو خارجية ليس لديها «مشروعية» الآن، وتأثير بالموافقة وإعطاء الزخم لأيّ رئيس حكومة، فالفرنسيون سبقَ أن وعدوا ميقاتي، لكن ماذا حقّق وعلى ماذا حصل؟». أمّا واشنطن فحساباتها أكبر من رئيس الحكومة، وهي تخوض مواجهة مع «حزب الله»، بحسب مصادر مطّلعة عدة، تُجمع على أنّه أيّاً يَكن رئيس الحكومة فسيأتي «بلا زخم سياسي داخلي وخارجي»، فـ»لن يجري إنقاذ لبنان في المرحلة المقبلة، وفي انتظار تَبلور صورة المفاوضات الإقليمية والدولية، سيجري تجميد الوضع اللبناني وتبريده، لمنع الارتطام الشديد، وذلك بإعطائنا مسكّنات وليس علاجاً».