ما إن ابتلاني"الله" بالفلسفة، حتى تعاظمت مشاكلي مع عالم الغيب، مع العالم المفارق المتعالي بلغة فيلسوف ألمانيا كنط، مع العالم الحقّ بلغة الصوفية، مع عالم المثُل بلغة أفلاطون. مع السماء التي ترنو إليها مليارات العيون، طالبةً العون والصّفح والفوز. إلاّ أنّ الله ظلّ في ضميري ،أوفي وعيي الباطن، أو في عقلي الماكر.أو في خلَدي وخلَل ضعفي ويأسي ووحدتي ومعاناتي. يُخاتلني وأُخاتلُه، أستحضرُه فيغيب، أغيبُ عنه فيحضُر، ممّا أدخلني في عالم الحيرة والشك. شكٌّ أين منه شكُّ الامام الغزالي، أو كوجيتو ديكارت. وكُنتُ أتساءل: لِمَ لا أنعمُ بهداية الله، فأهتدي الى الصراط المستقيم، ألا يُقال: لا تهدِ من أحببتَ، إنّ الله يهدي من يشاء. وكُنت أقول: إنّ الداء العُضال هو الفلسفة، وما جرّتهُ عليَّ وعلى أضرابي من مآسٍ، ذلك أنّها، والعياذ بالله، شرابٌ عجيب، إذا أنت شربت منه ملعقةً صغيرة، سكرتَ ،وجاءتك الغفلة ،ثم صرتَ مُغفّلاً، أمّا إذا تماديتَ في الشراب، كأساً بعد كأس، وربما قارورة، فإنّك تصحو وتنتبه، وتتّسع مداركُك، وعند اتّساعها، تنهالُ الأسئلة المُحيّرَة، والتي لا جواب لها، وتفقد الأنساق الدينية اتّساقها ،ويعجز العلم عن حلّ الألغاز والمسائل الميتافيزيقية. والأدهى أنّه كلّما غُصت في أعماق الفلسفة، غرقتَ في لجج الحيرة والغمّ والشّك والإرتياب، وتجد نفسك في حضن اللايقين، حيث لا يعصمك من شيئٍ أنت لا بدّ مُلاقيه.

 


ما الذي ينكأُ هذا الجرح الآن؟ وما مناسبة هذا القول الذي كان يُستحسنُ إخفاؤه؟ مناسبته أنّني عندما كنت أُشاهد قوافل الآدميين تُساق للذّبح حسب الشريعة، او للحرق خلافاً للشريعة، أو تُبادُ بالكيماوي والبراميل المتفجّرة، فيُلحُّ عليَّ استفهامٌ جارح: أين الله؟كيف يذبحون باسمه ويمزّقون بعضهم شرَّ مُمّزق، وينعتونه مطمئنين: الله أكبر.