نذكر ونحن على مفترق طرق، بين ضرورة الخروج من النفق الذى وضعونا فيه، وهى مسؤولية جميع قوى السلطة اللبنانية ولو بدرجات متفاوتة وبأشكال متعددة من حيث المسؤولية، وبين الاستمرار على الطريق السريع الذى يؤدى بنا إلى الانهيار. نذكر من لا يريد أن يتذكر أو أن يذكر، وكأنه يعيش فى حالة من الإنكار أن لبنان بحاجة إلى مقاربة جديدة ومختلفة عن ما جرى ويجرى . المطلوب مقاربة تشكل قطيعة مع اللعبة السياسية التى طبعت حياتنا الوطنية، لعبة راوحت بين الصدام المكلف والمنهك، تحت عناوين كبيرة ورهانات على موازين قوى يرتبط بها الداخلى بالخارجى، وما يحمله هذا الصدام من جمود قاتل ومدمر فى الظروف الراهنة وهى مرحلة جد حرجة، وبين التفاهم الهش أو الشكلى كما شاهدنا فى تجارب ماضية. تفاهم قد يأتى تحت عناوين وتبريرات مختلفة، من نوع حكومة وفاق وطنى من دون أى مضمون فعلى يستند إليه. حكومة تهذب الصراع وتقيده بعض الشىء، باسم مصلحة الشراكة فى السلطة، وتؤدى فى أفضل الحالات إلى احتواء درجة التوتر بين الشركاء فى السلطة، لمصلحة الجمود، مع بعض المراهم لتحسين صورة الجمود، على حساب العمل والإنجاز. وللتذكير أيضا فإن احتواء التوتر قد يكون مؤقتا إذ تحكمه ظروف، تسقط هذا الاحتواء عندما تتغير تلك الظروف، مما يعيدنا إلى المربع الأول والأمثلة على ذلك غير قليلة. هذه اللعبة التقليدية التى طبعت الحياة السياسية فى لبنان لم يعد من الممكن الاستمرار بها اليوم، فالعناصر التى تؤدى إلى الانهيار الكبير، فى تزايد وتصاعد فى حدتها مما يصعب تلافى تداعياتها التدميرية. وعلى صعيد الإقليم الشرق أوسطى، ونحن الأكثر تأثرا بما تحمله الرياح الإقليمية فهنالك مثلث من النقاط الساخنة التأزم فى المفاوضات النووية، ازدياد الغارات الجوية الإسرائيلىة على سوريا والتلويح التركى بإقامة منطقة آمنة فى سوريا على الحدود مع تركيا بالاضافة الى موضوع ترسيم الحدود البحرية ، التى تحاصر لبنان وتزداد سخونتها. وإذا ما انفجرت إحداها أو كلها فستكون لها تداعيات كبرى مباشرة أو غير مباشرة على سرعة الخروج من النفق. الحالة الرمادية فى الإقليم بين سيناريوهات التفاوض والهدنة والتفاهمات من جهة والمواجهة بالوكالة وزيادة تسخين بعض النقاط الساخنة والمأزومة لتعزيز الموقع التفاوضى عندما تحل لحظة التفاوض من جهة أخرى، ومن ضمن أوراق التفاوض بالطبع لبنان المحافظ دائما على وظيفته كصندوق بريد فى صراعات الإقليم وحول الإقليم، تستدعى مقاربة لبنانية مختلفة. فالانتظار يوفر أسرع طريق للانفجار. فى خضم الصراع القائم والواضح بشأن أى حكومة يجب تشكيلها وهل تكون حكومة سياسية أو حكومة تكنوقراطية أو تكنوسياسية باعتبار أن البعض يرى من الضرورى مشاركته مباشرة بالسلطة كصاحب قرار سياسى وليس ممثلا بوجوه تكنوقراطية كون الحكومة التى ستشكل هذا إذا ما شكلت، ستتولى السلطة التنفيذية وحدها إذا لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية فى المهلة الدستورية المعروفة . يجرى ذلك مع تزايد الاجتهادات الدستورية من قبل البعض فى هذا الشأن، الأمر الذى يزيد من الإرباكات الحاصلة. المطلوب اليوم، والوقت ضاغط، تأجيل البحث فى الإصلاحات الدستورية المطلوبة والضرورية ولو أنه لا يوجد اتفاق حولها مثل البناء على اتفاق الطائف وقد لحظ النص ذلك. ويتعلق الموضوع الخلافى بحجم عملية البدء بالإصلاح وسرعته وكذلك بتوقيته. ويتطلع البعض، كما أشرنا أكثر من مرة، إلى ضرورة عقد مؤتمر تأسيسى جديد، لنسف الطائف، الذى يعنى الذهاب نحو المجهول مع التأكيد على ضرورة التطوير ولكن ابتداء من الطائف. ورغم أهمية وضرورة الإصلاح الشامل والعميق لكن الأولوية اليوم يجب أن تذهب نحو وقف النزيف الذى سيؤدى إذا ما استمر إلى الانهيار الكامل. ويكون ذلك من خلال تشكيل حكومة أصفها بحكومة استثنائية وطنية وليس حكومة وحدة وطنية. فالأخيرة فى الظروف التى نعيشها ونعرفها لن تملك من المعنى إلا الاسم. علينا الاعتراف بالخلافات الكبيرة والعميقة القائمة والتى يزيد من تعقيداتها الصراعات فى الإقليم والاصطفافات اللبنانية فى هذا المجال والتى تزيد من حدة التأثير الخارجى. المطلوب حكومة استثنائية التى يجب أن تقوم على برنامج إنقاذى تلتزم به الأطراف المشاركة بعد أن تتفق عليه فى حوار عملى وليس شعارات، لوقف النزيف والبدء بالخروج من النفق، ومن أهم الأمور فى هذا الإطار احترام الاستحقاقات الدستورية. فانتظار التوافقات الخارجية وما تستقر عليه من توازن معين فى لحظة معينة، لن ينفع المراهنون على ذلك، إلى أى فئة انتموا. إن وقف النزيف وإنقاذ المركب اللبنانى من الغرق أمر أكثر من ضرورى عبر إصلاحات شاملة تدريجية تتناول مختلف أوجه الحياة الوطنية ولم يعد من الممكن تلافيها. المناعة التى تسمح للوطن بمواجهة الأعاصير متى حدثت ومن أى مكان أتت. ليس الوقت اليوم للتقاتل حول عناوين كبرى، فلن يبقى وطن، إذا ما استمرينا فى لعبة التسويف والانتظار، لوضعها موضع التنفيذ .