قرأتُ ذاكرة نهر كفرصير، وضميره وضميرها، واختار مجراه بهدوءٍ بارق، وبوعيٍ باطن، وإيمانٍ ساطع، كنهار صيف، أتاها منيرٌ، حراً كريماً بضفتين، وأتته حرةً كنهرها، فلا يبقى النهر نهراً بلا ضفتين، بينه وبينها، لغةٌ وإيمانٌ ووفاء ـ فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون ـ الحاج منير قميحة، بذر القمح على بيادر السطوح، وضمن وصول الماء إلى كل شفة عطشى، أو زهرةٍ ظمأى، أو شجرةٍ تلوى، أو كبدٍ لكراكي حرَّى ـ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلٌّ في فلكٍ يسبحون ـ إنها قريةٌ جنوبية، وقلعة من قلاع جبل عامل، ووجوهٌ وأسماءٌ وتواريخٌ لشهداء ومجاهدين وعلماء وآباء وأدباء وكبار كتبوا بمدادهم ودمائهم أنَّ الأرض يرثها عبادي الصالحون، فيها الشعر والنثر والأدب والقصائد، والمصطفين، والعلم، والأخيار والعاملين عليها من أقمار ونور الشهداء.. تخامرها سورة الرحمان وسورة الإسراء، ظلاَّن كالضفتين، بنورها ومنيرها، يحلو لظهر الأرض، وترابها وماءها، ظل الصفصاف والتين والزيتون، الذي يحمي الفلاح والمزارع والمجاهد والمكافح وما تزرعه أيديهم، والظل الآخر من الضفة، هو ظل الأرض، حكايته تحكي حكاية السماء، لتحمي الإنسان والعزة والكرامة، فكأنَّ ظل الصفصاف وفاءٌ للأرض، وظل التين والزيتون وفاءٌ لترابها وماءها، وظل الكريم وفاءٌ لنهرها ونورها وأرضها... نعم، يا كفرصير، فهذه الثلة من أخياركِ قد سنَّوا سُنةً حسنة، وسبيلاً يتوضأ منه العابرون، فلهم أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم الدين، وها قد رأينا في قرانا من اقتدى بهذه السنة الحسنة، وأنار الطريق في غلسة أيامنا الحالكات، ظني أنَّ الأيادي البيضاء والحرة الأبية والكريمة ما زالت موجودة، فعسى أن يقتدي الخيِّرون بسنتكم المنيرة... هذه حكاية قرية كفرصير الجنوبية، رنت إليها عيون الضامئين، وفتحت مخازن غلالها عبر الكرام، وشرَّعت بوابة صدرها لكل خير في هذا الزمن الصعب، من دون تجمعاتٍ ومهرجاناتٍ وإلقاء خطبٍ وأشعارٍ ومديح، هو فقط رجلٌ كريمٍ، ومثله لا يخلو، كحبة سنبلة، في كل سنبلة مائة حبة، وكعناقيد الذرة، لتوقظ قفير نحل القرى في جبل عامل... فتحيةٌ لها، ولمنيرها... 11/6/2022م.