يتسابق البعض من التجّار أو من ذوي المصالح أو من المغالين الصادقين أو الكاذبين إلى إشهار مشاعر غير طبيعية للتعبير عن حب لسياسي فيثني عليه بعظمة تقلّ من الشخص ولا تزيد مما هو فارغ أو ممتلىء وهذا ديدن التابعين للسياسيين في لبنان اذ تجد العظمة كلها محصورة في زعيم هنا وقائد هناك وما بينهما من مسؤولين تصيبهم هلوسة المهلوسين في مديح يتجاوز حدود المدح المطلوب . يقول نبيّ الرحمة محمّد بن عبد الله حثوا التراب في وجوه المدّاحين لذا نحث الحبر على هؤلاء المرضى والتجّار والمستفيدين عملاّ بقول رسول الله كيّ لا تُصبح سُنّة وتسلك بنا طريق الضلال خاصة وأن الممدوحين لا يلتفتون إلى ذلك أو انهم يسكتون ليس عن رضاً بل مرضاة لصنّاع المديح . يقول أمير المؤمنيين علي عليه السلام هلك فيّ إثنان عدو مقلّ ومُحب مغلّ وهنا ساوا الأمير بين الإثنين واعتبرهما وجهان لعملة واحدة وفي ذلك دعوة للحب والكره بطريقة غير متطرفة لأن التطرف آفة كبرى والوقوف بوجه هذه الآفة تدعونا إلى رفض كل ابتزال يبذله المتطرفون في كل جماعة أو أمّة أو جهة . من النبيّ (ص) إلى الإئمة (ع) ثمّة رفض مطلق للمدح وللمدّاحين وما أنا إلاّ رجل مثلكم ولا يغرنّك خفق النعال من خلفكم وقائمة التواضع لا تنتهي في سيرة النبي وأهل بيته لذا تستفزّ سلوكنا الإيماني عندما نسمع مدحاً منافياً للطبيعة في أوساطنا وخاصة عندما يتحوّل إلى بازار تنافسي بين المدّاحين والدجالين من أصحاب المصالح وخاصة التجّار الذين يبنون أرباحهم التجارية الفاحشة على علاقات سياسية تخدم احتكارهم وغلاء أسعارهم وخاصة في هذه الأزمة اذ يعمد الكثير من التجّارإلى رفع صور عملاقة للقيادات السياسية ويكتبون تحتها بما يسيئ لها لتضمنها غلواً يوصل البعض منهم إلى مقامات فوق النبوة وتحت العرش . في الوسط السياسي والشعبي والتجاري الشيعي ثمّة هرج ومرج في المدح اللامحدود لكل من الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصرالله بحيث بات تنافساً بين مريدي القيادتين بإطلاق صفات أو عبارات لا يحتاجها الشخصان ولكنها تنمُّ عن مدح يفرض حثّ التراب عليه كما قال رسول الله لأنّه أسّس لإسفاف في العلاقة مع المسؤول واحتقار وذيلية مذمومة دينياً و اخلاقياً . لقد ردّد الكثيرون مقولة المرأة على أنقاض تموز فدا رجلك يا سيّد ويردّد اليوم إثر إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي وعلى ضوء الحرمان من الرغيف إلى المياة والكهرباء وما إلى ذلك فدا صباطك يا نبيه وتمّ رفع صور تناطح السحاب ورفعت يافطات كتب تحتها شعارات لم تقال في السماء من قبل مدّاحين باتت أعدادهم تتزايد مع تزايد شبكات المصالح ومع تنامي العصبيات بشكل مرضي وهستيري في مرحلة يتصدع فيها لبنان طائفياً والمنطقة مذهبياً . بتقديري أن القيادات لا تحتاج إلى إطلاق ما يشوه الإنتماءات والعلاقات الحزبية القائمة بل إلى ما يجعل العلاقات السياسية القائمة محكومة بمعايير التقويم والنقد من موقع الود والإحترام لأن في ذلك حرص الحريصين لا مصالح التجّار والباعة وعبيد الدنيا