متى تقرع أجراس الله ومآذنه، وتصدح بالحديث القدسي الذي أنزل على نبي الله عيسى (ع) ومحمد (ص)، هذا روح الله قائلاً في دعائه وصلاته: "أبانا الذي في السماوات... أعطنا خبزنا كفافنا..!". أليس في الخبز حياة، كيف لا، وهو الحياة، صلاة عيسى نبي الله هي وفرة الخير والخبز لجميع الخلق، ولهذا لا يكون الإنسان حراً كريماً وعزيزاً فاضلاً، طارداً الأبالسة والشياطين من نفسه الإمارة بالسوء والخطيئة، ونافياً كل حقدٍ وأذية وتملقٍ وأنانية تدعونه إليها، وفي نفس الوقت باحثاً ولاهثاً لسدِّ ضجيج النفس الخاوية والجائعة، كيف يمكن أن يتفرَّغ ذاك العامل والأجير والكاد على نفسه وعياله، لإنماء كل تلك المعاني السامية والشريفة في القلب والوجدان، ولا يستطيع شراء كسرة خبز أو ثمن دواء، ولا يقبض أجراً يتكافأ مع تعبه وجهده وعرقه، في الوقت الذي سرقه لصٌ مخادع، ولسانٌ مرابي فرٍّيسٌ كهنوتي حاملاً صولجاناً من ذهبٍ ونبيه يحمل عصاً من خشب، أو يأكله سياسيٌ تاجرٌ محتكرٌ وقح المطامع وشديد الهوى باحثاً في حرية الإثم والمعصية. هذا روح الله ابن مريم (ع) قائلاً : "إنهم يحزمون أحمالاً ثقيلة شاقة الحمل، ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم..!" إنه رسول الله وروحه، لا يقبل صلاة التاجر المنافق لأنه يأكل جهد الإنسان ويمنعه عن حقه في رغيف الخبز. قائلاً: "ويلٌ لكم أيها الكتبة والفرِّسيُّون المراؤون لأنكم تأكلون بيوت الأرامل ولعلةٍ تطيلون صلاتكم"... وهذا نبي الله محمد (ص) أخو عيسى روح الله، قائلاً حديثه القدسي الذي أنزله الله على لسانه: " إني لم أستعمل الحكام على سفك الدماء، واتخاذ الأموال، وإنما استعملتهم ليكفوا عني أصوات المظلومين، فإني أرعى ظلامتهم، وإن كانوا كفاراً..!". كيف يمكن أن تصلح النفوس الجائعة والقلوب الضعيفة الخاوية، وهي تبحث عن سد الجوع والفقر والمرض والخوف، هل تنفع صلواتنا ومواعظنا للإنسان الذي يبحث عن رغيف خبز، هل تنفع الموعظة والحكمة للنفس الخاوية؟. وهذه مدرسة محمد (ص) وأهل بيته (ع) قالت عن مولانا الصادق (ع) : "إنَّ النفس لتلتاث على صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه، فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت...." أليس الجوع كفراً؟ أليس الفقر كفراً؟ أليس الفقر هو الموت الأكبر؟ يا أتباع عيسى ومحمد وعلي وأهل البيت (ع) "أكسروية هي يا فلان".. أليس نبينا محمد (ص)" قد قُبضت عنه أطراف الدنيا ووطئت لغيره أكنافها، وفُطم عن رضاعها، وزُوي عن زخارفها.." أليس إمامنا علي (ع) " قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه.." وسكن كوخاً صغيراً دون القصور الكبيرة، وهو تجبى له الصفراء والخضراء.. للأقل نرى بمن اهتدى هديهم، هو جندب بن جنادة "أبو ذر الغفاري" الذي كان قانعاً برغيفٍ من شعيرٍ كإمامه أمير المؤمنين (ع) الذي قال فيه رسول الله (ص) : "يا علي! إنَّ الله قد زيَّنك بأحب زينةٍ لديه: وهب لك حب المستضعفين ، فجعلك ترضى بهم أتباعاً ويرضون بك إماما..!"