من لبناني جنوبي شيعي، إلى ولاة الأمر في مجلس حكماء المسلمين. تحية الله عليكم، وبعد: لله، ثمَّ لكم، ثم للتاريخ، فلا تعتبروها جرأة على مقامكم الشريف. في خضم هذه المآسي والمظالم والقهر والفقر والظلم والصراعات والحروب والتكفير، وما يشهده عالمنا العربي والإسلامي من تيارات إسلامية وأصولية وحركات جهادية، تستند إلى نصوصٍ ورواياتٍ وفتاوى وأحكام، تُستخدم سلاحاً فتَّاكاً. فهي من جانب، تُستخدم لتجييش النفوس وتأجيج النظرة الدونية من تنجيس وتكفير لكل من يبتغي غير الإسلام ديناً، وتبثُّ روح القتال والجهاد في سبيل إرضاء الله تعالى وصون الدين والشريعة من الضياع والإنحراف، والفوز بالجواري الحسان والحسناوات اللواتي لم يطمثهنَّ إنسٌ ولا جان. وفي جانبٍ آخر، تُستخدم كحالةٍ تعبديةٍ بفاعليةٍ دائمة، حينما تسخدم تلك النصوص والروايات والأحكام، عذراً من مقامكم العلمي والإجتهادي إن ضربت بعض الأمثلة من القرآن الكريم، بعيداً عن الروايات التي تعد بعشرات، بل بمئات الآف في كتب المسلمين بجميع مذاهبهم وفرقهم ومدارسهم، لأن الخوض في هذا، لهو بابٌ مفتوحٌ ومسحور، وما زال مفتوحاً على مصراعيه، فالكل يُصحِّح ويُضعِّف، والآخر يُضعِّف ويُصحِّح، فأصبح للشيعة أحاديث، وأصبح لأهل السنة أحاديث، وللمرجئة والخوارج وغيرهم لهم أحاديث، وانقسمت السنة، التي يحاول الفقهاء إغلاقه عبثاً منذ غياب صاحب النص إلى يومنا هذا.. إنَّ الرسالة التي انطلق فيها مجلسكم الحكيم، هي إحياء دور العلماء والفقهاء واستثمار خبراتهم ومكانتهم في ترشيد حركة المجتمعات المسلمة، والإسهام في إزالة أسباب الفرقة والإختلاف، والعمل على تحقيق المُصالحة. كيف يتحقق ذلك؟ نلفت نظركم الكريم، أن تقدِّموا تفسيراً غير تفسير السلفية الإسلامية بكل طوائفها ومذاهبها، والمنتشرة انتشاراً واسعاً في عالمنا ومناهجنها ومدارسنا ومعاهدنا، وتكون معالجة صريحة تقنع جميع المسلمين، وتقطعون الطريق على كل جماعة متعطشة إلى التطرُّف، محاولين سحب البساط من تحت أيديهم وأرجلهم للحد من امتداد المد الأصولي السلفي التكفيري، وإلاَّ سيبقى هذا السيف مسلطاً على هذه الأمة، بل وفي العالم كله، ويزداد التعصب الديني والمذهبي ويزداد العمل الجهادي والإرهابي إن لم يحدَّد معنى الجهاد والإرهاب، حتى يشمل الجميع، ويبقى هذا السلاح موجَّهاً إلى رقابهم أجمعين، بل يزداد تغذية وإنماءً على جميع الصعد والحالات الاقتصادية والسياسية المتدنية فيها والمتردية منها والنطيحة، وما سيطر عليها السبع منها، وعليها، في مجتمعنا العربي والإسلامي، وترى في الوقت عينه تأييداً من النصوص الدينية لهذه السيطرة، ما لم تعالج هذه النصوص بتفسيراتٍ تدحض حجج هذه الحركات والمدارس والمذاهب المتعصبة، وتلين العقول والقلوب والأنفس، وتكسب محبة المسلمين ـ بالقدر المتيقن ـ فضلاً عن الأمة العربية، ومن ثَمَّ، كيف يمكن أن نلوم متديناً شاباً وصغيراً وكبيراً، تشبَّع بحب الله تعالى ورسوله (ص)، عندما يفخخ نفسه في المجتمع الإسلامي والعربي، وكله اطمئنان وثقة وإيمان أنه يخدم الإسلام والدين والعقيدة. أليس هذا ضحية؟؟. وتقاعس من بعض رجال دين، لم يجرؤا، وربما تقاعسوا عن مواجهة التيَّارات السلفية الأصولية؟؟. وربما ضحية من بعض أنظمة وحكومات تعمَّدت أن تترك ثقافة التطرف الديني؟؟. بالرغم من نجاح بعض من الدول والحكومات الإسلامية والعربية في الحد من الإنتشار والقضاء أمنياً على ما يسمى إرهاباً. هذه هي حقيقتنا المرَّة والمريرة ـ أنتم حكماؤنا، أنتم فقهاؤنا، أنتم علماؤنا ـ وأنتم سادة الأمة، وأئمة المسلمين، علينا أن نجلس على كرسيِّ الإعتراف لنعترف بهذه المشكلة، ونعترف بتقصيرنا، وربما لم تقصِّروا أنتم، ولعلَّ ذلك! فلا تعتبروها جرأة على مقامكم، بقدر ما هو صوت من أصوات المسلمين، وإن كانت نواياكم حسنة، إلاَّ أن الجامع المشترك بيننا وبينكم ـ كوننا من عامة الناس وأنتم من حكماء وأعيان الأمة الإسلامية ـ هو التقصير ـ وإلاَّ ماذا ينفع شعار الإعتدال والتسامح في الإسلام، والتعايش مع الآخر المختلف مهما كان لونه وعرقه ولغته ودينه ومذهبه، من دون أن تقدِّموا لنا اجتهادات نستطيع من خلالها أن نقف بوجه هؤلاء، ونتصدَّى للذين يرتدون مسوح النص ومعاطف أرباب الطوائف والمذاهب، الذين يؤمُّون الناس إلى مثواهم الأخير، فعلاً إن أردنا حلاً في الأمة الإسلامية وكسب المعركة والوقوف أمام هذه الظاهرة، هي وضوح في الرؤية، لتفسيرٍ لا غموض فيه، ولا لبس معه، هي نصوص القتال، الجهاد، الكفر، النجاسة، الإرتداد. الحرية، الإختيار.. وإلاَّ ستبقى الإيديولوجية في النص هي المستولية لنشر تلك الثقافة. عذراً.. للإطناب، نريد أن نلفت عنايتكم ومحبتكم لأمر آخر، وهو ما يتعلَّق بالطائفة الشيعية بشكلٍ عام، وبالأخص في لبنان. هذه الطائفة الكريمة، هي جزء من طائفة أكبر، توجد في العراق، الكويت، السعودية، البحرين، الإمارات العربية، المغرب، بل في أكثر البلدان الإسلامية، يتعامل معها الرموز الكبيرة والتي نحترم ونقدِّر ونُجلُّ، بلغة الإقصاء، تارة تحت عنوان (رافضة) وأخرى تحت عناوين كثيرة، منها:(خونة لأوطانهم ـ أبناء متعة ـ مشركون ـ وغيرها من أحكام نسمعها كثيراً عبر وسائل التلفاز والبرامج الدينية والتواصل الفيسبوكي بكل جهاته ـ أنَّهم غير مؤهلين للقيادة وللأمانة وإمامة الصلاة، وغيرها. يا حكماء المسلمين، هذا هو الأصل، هذا هو الأُس، بالرغم ما تقدمه الطائفة الشيعية على وجه الخصوص في لبنان، محاربة ومقاومة العدو الإسرائيلي، ومعونة ومساندة الشعب الفلسطيني، ورفع شعار فلسطين المغتصبة وقدَّمت الكثير وكل ما تملك في الدفاع عن فلسطين وعن شعبها المظلوم، ومع ذلك يا سادتنا، تبقى النظرة إليها نظرة خيانة، إنها الحقيقة، أقولها أولاً لله تعالى، وثانياً للتاريخ. ومع ذلك نرى كبار مراجع الطائفة الكريمة، يفتون بحرمة سب الصحابة وأم المؤمنين زوج رسول الله (ص) وحرمة تكفير الآخر، وإعلان يوم الوحدة الإسلامية، ووجوب إعلان يوم القدس العالمي، وأنَّ الصحابة رموز دينية ومرجعية كبيرة يجب إحترامها وعدم تناولها بسوء، ولكن تبقى طائفة مواربة ومتقية، وتبطن شيئاً وتظهر شيئاً آخراً!!!. وإنَّ المرجعية الشيعية قالت كلمتها بصدق، أنَّ ولاءها هو ولاء لمدرسة أهل البيت (ع) والتزامها بالأحكام الشرعية من هذه المدرسة، وإيمانها بالإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (ع)، فقط وفقط، ومع ذلك تبقى طائفة خارجة عن سور بحر الأمة الإسلامية!!!. وخارجة عن الجسم في العالم الإسلامي!!!. أليس هذا ما يجري في معظم البلاد الإسلامية، بالله عليكم يا حكماء المسلمين، احتضنوا هذا العطاء الذي قدَّمته الطائفة الشيعية في لبنان ـ بالتحديد ـ وقولوا قولاً سديداً لكل حكام وزعماء وأمراء وملوك العرب والمسلمين، لإحتواء هذا البذل من دماء وشهداء وتاريخ مشرق بمقاومتها لأكبر جيش متغطرس ومتوحش ومحتل إرهابي وعدو مجرم هي إسرائيل. لعل الله يحدث من حكمتكم ودينكم والشعار الذي تقدمونه للأمة، هو الإعتصام بحبل الله وحبل الأمة والناس جميعاً، ولتكن أياديكم بالتعاضد مع هذا البلد الحبيب لبنان بكل أطيافه وناسه، ليبقى منارة الشرق والعروبة ، وليكن بتعاونكم من أجل رفع المأساة التي نعيشها في هذا الشرق، ونحن نلمس حسن النوايا من هذا المجلس الموقر، ومن علمائه الربَّانيين الذين أخذوا على أنفسهم ألاَّ يُقارُّوا على كظَّة ظالم أو سغب مظلوم، ونحن ندرك من إيمانكم الصادق، وقلوبكم الطاهرة، أن تعيروا اهتمامكم بهاتين النقطتين اللتين أوردتهما في هذه الرسالة، لتقودوا سفينة هذه الأمة إلى شاطئ الأمان والإطمئنان.. دمتم ذخراً لهذه الأمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ولدكم الصغير الشيخ عباس حايك بتاريخ: 31 / 5 / 2022م.