لوقت طويل، ستبقى الانتخابات النيابية بنتائجها في واجهة التقييم بين الأزمة والصدمة، إذ عبرت النتائج المتمثلة بفوز مرشحي حراك 17 تشرين 2019 عن دلالات قوية تتعلق بتبدل المزاج الشعبي بالاعراض عن مزاج الأحزاب، وانتخاب مرشحين باتوا نواباً مثل مارك ضو، وحليمة قعقور ونجاة عون في قضاء الشوف عاليه، امتداداً إلى زغرتا مع وصول ميشال الدويهي في زغرتا ورامي فنج في طرابلس وابراهيم منيمنة في بيروت الثانية والياس جرادي وفراس حمدان في الجنوب الثالثة . 21 وبانتظار 21 أيّار تاريخ بداية المجلس النيابي الجديد المنتخب، بدا لبنان امام تحولات متهاوية، وتحولات ناشئة، من شأنها ان تعطي لحركة الانهيار والاعتراضات الواسعة بعد 17 (ت1) 2019 أبعاداً، تقترب من نقاط الفصل أو الحسم أو الانزياحات السياسية، باتجاه اما تسوية جديدة يرعاها النظامان الإقليمي والدولي، أو الانزلاق إلى مواجهات سياسية أو غير سياسية، تفتح الباب لمفاوضات نظام سياسي معدّل في البلد . وفي هذا السياق استبق رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب المنتخب محمّد رعد بدء ولاية مجلس النواب الجديد بمخاطبة الخصوم بلهجة فيها دعوة للتعاون، وتحذير من المواجهة قال رعد نقبلكم خصوماً في المجلس النيابي، ولكن لن نقبلكم دروعاً للاسرائيلي وما وراء الإسرائيلي، مؤكداً: لا تكونوا وقوداً لحرب أهلية وأشار إلى ان لغة الكراهية والحقد ضد المقاومة هي لغة لا تصنع وطناً، مضيفاً: ان كنتم لا تريدون التعاون معنا في تشكيل حكومة وطنية فإنكم تريدون العزلة . لقد اصبح جلياً أن صوت الجيل الشبابي استطاع إقتحام قلاع زعامات سياسية تقليدية في العديد من الدوائر الانتخابية، وساهم في إطلاق عملية التغيير في البنية السياسية للسلطة التشريعية، بما يُمهّد لتحقيق حلم طال إنتظاره في تفكيك أوصال المنظومة السياسية الفاسدة، وإنتشال البلاد والعباد من دوامة الإنهيارات والأزمات الراهنة . الواقع أن نتائج الإنتخابات أحدثت تغييراً صادماً، ليس على مستوى التمثيل الشبابي وحسب، بل وأيضاً في معادلة التوازنات الداخلية، وفي رسم خريطة جديدة للقوى السياسية في مجلس النواب، ستظهر آثارها سريعاً في أول إستحقاق يواجهه المجلس المنتخب في إختيار رئيس للمجلس النيابي . ومن نافل القول الإشارة إلى أن إنتخابات رئاسة المجلس ستشهد أول مواجهة بين الفريق السيادي وقوى التغيير من جهة، ومحور الممانعة من جهة ثانية، ستحدد نتائجها إتجاهات المسار السياسي للبلد في المرحلة المقبلة، وخاصة بالنسبة لتأليف الحكومة الجديدة وإختيار رئيسها، وما يلي ذلك بعد بضعة أشهر بالنسبة لإنتخابات رئاسية الجمهورية . في البلدان الديموقراطية العريقة، تخضع القوى والأحزاب السياسية لنتائج الإنتخابات النيابية، وتحترم إرادة الناخبين في تحديد خياراتهم الحزبية أو السياسية، وتشكل الإنتخابات فرصة لتداول السلطة بين الأطراف السياسية، على قاعدة الأكثرية تحكم، والأقلية تعارض وتراقب وتحاسب. أما في لبنان فكانت بدعة الحكومات التوافقية تضرب بتلك القاعدة الديموقراطية الذهبية عرض الحائط، وتؤدي إلى تعطيل فعالية السلطة التنفيذية وتحول دون قيام الحكومات المتعاقبة بمسؤوليتها الوطنية والخدماتية والإنمائية، ولعل مشكلة الكهرباء المتفاقمة منذ عقود من الزمن تبقى المثل الصارخ لفشل صيغة الحكومات التوافقية في إدارة شؤون البلد . ولكن السؤال الذي يُقلق اللبنانيين غداة ظهور نتائج الإنتخابات والبلورة لخطوط الخريطة السياسية الجديدة هل ستُسلم أطراف محور الممانعة، وخاصة حزب الله، بالواقع السياسي الذي أفرزته الإنتخابات التشريعية؟ أم تُرى أن لبنان سيتعرض لما يُشبه الأزمة العراقية المتمادية التي أعقبت الإنتخابات النيابية في بلاد الرافدين وأسفرت عن خسارة أحزاب وميليشيات المحور الإيراني للأكثرية النيابية، فكان أن تعطلت عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة منذ بضعة اشهر، وحصل الفراغ المعهود في رئاسة الجمهورية، كما عرفناه في لبنان، بعد إنتهاء ولاية الرئيس العراقي برهم صالح. الأسابيع القليلة المقبلة ستحدد إتجاهات المنخفضات الجوية التي ستهب على لبنان في عز موسم الصيف