أيُّنا يسكن وطناً، ومَنْ منَّا يسكن الوطن، ومَن منَّا يراوح مكانه وزمانه، أشهد وأنا الواقف بين تاريخين، تاريخ الحضور وتاريخ الغياب، أنَّ الوطن هو وطن نهائي لجميع أبنائه، وهو رسالة ممتدة، ودولة سماوية لا دولة دينية، يجب ألاَّ تمثِّل مصالح الأكثرية أو الأقلية، بل يجب أن تترفَّع، أي تقترب إلى السماء، وتكون بعيدة كل البعد عن الحزب والطائفة والفئة. الوطن في ذاكرة موسى الصدر، هو عملية حفرٍ في بناء الدولة، ومركزاً حضارياً تلعب فيه الطوائف وتسهم في فضائه التنويري استعداداً لمسؤولية بحجم الإنسان المستخلف في الأرض من قِبَلِ الله سبحانه وتعالى، ليكون وطناً واحداً، ودولة واحدة، لا دولة مارونية ولا دولة شيعية ولا دولة سنية ولا دولة درزية، نريد أن نعيش معاً كمواطنين في جامعة مشتركة، لأنه وطن الجامع والكنيسة والأجراس والمآذن، والروابط الطبيعية بين جميع الأفراد الذين يعيشون من جيلٍ إلى جيل، سواسية على أرض واحدة، يجمعهم هدف واحد، إقتصاد واحد، مهما كان التباين في العقيدة والدين والعرق والفكر والثقافة والإنتماء التاريخي العقائدي، لكننا من أبٍ واحد، وهو الوطن، فالوطن أب، والأرض أم، ورابط الإخاء واحد، لا يمكن لأحد أن يسقطها بالإسقاط.. الوطن يحضن الجميع، والفروق مهما بلغت من القوة، لا يمكنها أن تتغلَّب وتسيطر على الجامع الوطني، كي لا يهرب الوطن من عيون المواطنين، وقلوب المحبين، وسواعد المجاهدين والمقاومين لحماية الوطن (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون).. يا أيتها القلوب الرحيمة والطيبة، والضمائر الطاهرة النقية، ويا أيتها النفوس الأبية، لنتعلَّم منكم حب الوطن والإنسان، حب الخير والعطاء، ولنحمل مناجل الحصاد، لنطعم القانع والمعتر والمحتاج والفقير ، ولنرحم الآباء والشيوخ والأطفال والمساكين والثكالى والأرامل والأيتام والشهداء.. يا كل الأحزاب والجمعيات والطوائف والزعماء، قولوا كثيرا من قول الجميل والحب الجميل، من مجالسكم ووظائفكم المسؤولة، من شرفات بيوتكم ومنازلكم وأنتم تقرأون القرآن والإنجيل، وتحتسون القهوة وتمجون السجاير، افتحوا لنا ذاكرة جميلة على الوطن، والوطن على جميع أبنائه، كي لا نكون مكشوفي الرؤوس ونبقى في العراء التاريخي..