تعاني الأحزاب من مشكلة الإعتراف بالهزيمة وتذهب في أقصى خسائرها إلى صناعة نصر مزيف لسدّ أبواب الهزائم عليها كيّ لا تعترف بمهزوميتها في أيّ استحقاق وعند أيّ امتحان وتصرف من مجهودها المالي والسياسي والإعلامي ما يغطي الهزيمة البشعة وتحوّل فرحة انتصاراتها الزائفة الى استعراض فني يحاكي جماهيرها بطريقة تنسيها واقع الهزيمة المرّة . حتى أن الأحزاب لا تحتمل خطاءً ما في عمل أوفعل أو قول وتحرص أيضاً على جعل ما تقرره القيادة الفردية هو الصواب الذي لا يصيبه ولا يأتيه الخطأ فتُنشىء بذلك علاقة قائمة على صوابية الرئيس في كل أمر ومهما كان صغيراً مع الجماهير التي تسطنع بدورها وهماً لا يعتريه شك حول يقين القائد التاريخي في ما يصدرعنه من مواقف وأفعال . يخرج جبران باسيل ملوحاً بإصبعي التيّار رغم بحة صوته ورجفة لسانه ويدّعي فوز التيّار لبنانياً ويتنكّر لخسارته المسيحية والمارونية ويصف المعركة الإنتخابية بأنّها الحرب الدولية والإقليمية المفتوحة عليه من خلال جيوش من الأموال المتحركة في شوارع الإنتخابات ولم يعترف بأنه خسر لأنّه فشل في سياساته الحكومية ليساعد نفسه على انتشالها من قاع الخسارة الفادحة تمكناً لتحسين آدائه في مرحلة تتطلب منه إعادة النظر في تجربته السياسية الوسخة . على طريق جلجلة جبران صاخ من صاح من هنا وهناك وبصوت مرتفع لجعل الخسارة نصراً وليست انكساراً لسوء سياساتهم وتحالفاتهم ونمط خطاباتهم وطبيعة مواقفهم الصادمة وهذا ما استبقى العقل الحزبي حيث هو قائم على عرش الحقيقة الكاملة والمطلقة والظافرة دوماً بانتصارات متعددة الألوان والأشكال والوجوه . هذا العقل أسّس لا لحزبية مفرطة في التعالي عن الوقائع بل لبيئات ترى في فقرها غنىً وفي جهلها علماً وفي اخطائها صواباً وهذا ما جعل من نقد تجارب الأحزاب عملاً غير متوفر بل هو ممنوع ويعاقب عليه كل من تسوّل له نفسه لفت النظر الى خطأ في عمل فني لا سياسي فنقد الأعمال الحزبية ممنوع ونقد بلديات الأحزاب ممنوع ونقد وزارات الأحزاب ممنوع ونقد مواقف المسؤولين الحزبيين ممنوع حتى ولو كانوا من صغار القوم . بدت شراسة الأحزاب في الإنتخابات النيابية تعبيراً عن هذا العقل المسيطر على الحياة السياسية والذي لا يرضى بوجود مختلفين في السياسة وغيرها بل يصف الخلاف بالعداوة الخائنة للوطنية والسيادة وللهوية وتعري الأحزاب بعضها البعض من أيّ لباس لبناني فكل ألبستهم من صنع عميل سوري أو إيراني أو سعودي واميركي و اسرائيلي. هذا العقل الحزبي سيدمر البلاد أكثر مما هي مدمرة وستكون نتائج انتخاباته اكثر سوءًا لذا سنشهد صعوبة في قيام تسوية في ظل معركتين مفتوحتين على رئاسة بعبدا ورئاسة المجلس النيابي الجديد .