من الصعب والسابق لأوانه التنبؤ بنتائج الانتخابات أو بمدى قدرة وتصميم الناخبين اللبنانيين في الداخل والخارج على حسن الاختيار بين المرشحين واللوائح، من أجل انتخاب طبقة سياسية جديدة، قادرة على كبح جماح جشع الطبقة الفاسدة، التي استمرت في نهب المال العام لفترة تزيد عن ثلاثة عقود . فمن خلال الاجواء العامة للمرشحين سواء على لوائح احزاب السلطة، أو أجواء المرشحين على لوائح المجتمع المدني أو القوى التغييرية يبدو وبوضوح بأن أجواء من الغموض والشك والترقب تخيم على الجميع حيث لا يبدو بأن هناك اطمئناناً للنتائج التي يسعى إلى تحصيلها المرشحون أو لوائحهم. كما يبدو بأن الخبراء المتخصصين في الاستفتاءات الانتخابية لا يملكون الثقة بالأرقام المتوافرة لديهم عن مدى تأييد الناخبين لهذه اللائحة أو تلك. ويبدو من خلال الاجواء المحاطة بالشكوك حول العملية الانتخابية ، السيّد نصر الله واضحاً في دعوته لشد عصب البيئة الحاضنة من خلال رفع شعار الحفاظ على المقاومة ومواجهة الدعوات إلى إسقاطها أو نزع سلاحها، من قبل الأحزاب والقوى في المعسكر المواجه، ويبدو واضحاً بأن حزب الله وحلفاءه يسعون للحفاظ على اكثريتهم النيابية الراهنة، والتي تعتبر الوسيلة الوحيدة الضامنة لحصولهم على حماية ودعم الشرعية اللبنانية لمواجهة خصوصهم السياسيين في الداخل وعلى المستويين العربي والدولي . تشكل الأكثرية النيابية في المجلس الجديد الضامن الوحيد لحزب الله وحلفائه للعب دور أساسي في اختيار رئيس للحكومة ولعملية تشكيلها، والإبقاء على الثلث الضامن داخلها، وبما يؤمن القدرة على إسقاطها وتعطيل عمل مجلس الوزراء، في حال تعارض قراراته مع مصالح معسكر المقاومة، وحماية المصالح الايرانية والسورية . وفي الوقت الذي سيعمد اللبنانيون إلى قراءة الأحجام الجديدة للقوى السياسية بعد صدور النتائج، فان القوى الاقليمية ستعمد الى فرز الوان النفوذ الاقليمي لتوازنات المجلس الجديد ما بين ايران وسوريا والسعودية والعالم الغربي. فلكل مجموعة لونها وحجمها حتى ولو تداخلت في ما بينها في بعض المراحل. هنا تصبح الحسابات أكثر دقة. وقبل ان يلفظ المجلس النيابي الحالي آخر أنفاسه ومعه الحكومة الحالية، سيجري تمرير قرار رفع سعر الدولار الجمركي الى عشرة آلاف ليرة في خضم الصخب الانتخابي. وهو ما يعني مزيداً من ارتفاع الاسعار في المرحلة المقبلة، إضافة الى زيادات اخرى ستأتي لاحقاً لتطاول اسعار الانترنت ومجالات اخرى، وهو ما سيرفع من مخاطر احتجاجات الناس في مرحلة ستشهد تقلبات سياسية حادة، انّها تشابكات المرحلة الانتقالية، والتي قد تفجّر مفاجآت غير محسوبة في أي لحظة. فبعد الانتخابات النيابية سيأتي أولاً استحقاق انتخاب رئيس المجلس النيابي الجديد، وهو ما يعني كباشاً جديداً قاسياً ما بين الرئيس نبيه بري والنائب جبران باسيل، بعدما القوات اللبنانية حسمت موقفها بعدم انتخاب بري الواضح ان الرئيس بري لن يقبل إعادة انتخابه من دون تأمين الميثاقية المسيحية، وهو ما سيدفع باسيل الى فتح ابواب البازار معه. فليس خافياً على أحد سعي باسيل الى إعادة فرض نفسه في السباق الرئاسي، الاتجاه الغالب ان بري لن يدخل في بازار كهذا، وهذا ما سيفتح احتمال ترؤسه مجلس النواب على اساس انه النائب الأكبر سناً، وهي ورقة الاحتياط التي يحتفظ بها في جيبه، وقد لا يقتصر فشل حزب الله في إيجاد توافق حول هذا الملف فقط، فهنالك معضلة تكليف من سيتولّى تشكيل حكومة جديدة. هذه الواقع يدفع الى الاستنتاج أن احتمالات الفشل في تأمين ولادة حكومة جديدة تبدو مرتفعة، وان الاتجاه الغالب هو لاستمرار الحكومة الحالية في مهمة تصريف الاعمال وصولاً الى مرحلة الفراغ الرئاسي وهو ما سيحصل للمرة الاولى قبل التوصل لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في اجواء ساخنة ولكن بعد الاتفاق على تسوية سياسية عريضة. في اختصار، فإن لبنان دخل المرحلة التي قد تختزن مفاجآت غير متوقعة. فمن المفترض بعدما انتهت الانتخابات النيابية. وخلافاً لكل عمليات الشحن والتجييش التي افتعلتها معظم اطراف الطبقة السياسية ان يبدأ تحضير الظروف لنقل لبنان من مرحلة فوضى الانهيارات الى مرحلة استعادة الاستقرار، فهذا يعني انه دخل في المرحلة الانتقالية. ذلك ان القوى السياسية الأساسية والمتكئة على قوى اقليمية تعمل على تحسين شروط المعادلة التي يجري الاعداد لها في المرحلة المقبلة، وتعزيز حضورها ونفوذها ومن المفترض ان تشكّل الانتخابات النيابية لحظة الدخول في صلب هذه المرحلة الانتقالية والتي ستكون الانتخابات الرئاسية نهايتها، لتبدأ بعدها مرحلة إعادة بناء الصرح اللبناني. ختاماً يمكن أن تفتح الانتخابات فرصة جديدة أمام القوى السيادية للمشروع في عملية إنقاذ للدولة والكيان، ولكن حذارِ من أن نضيَّعها على غرار ما فعلته مع تكتل 14 آذار، والذي تفكك بفعل قُصر النظر السياسي وبحث الأفرقاء عن مصالحهم الخاصة، وانغماسهم في الممارسات الفاسدة للسلطة.