أيام الجاهلية وعبادة الأصنام، روى الشهرستاني عن بني ملكان من قبيلة كنانة، أنّه كان لهم صنمٌ يُقال له سعد، يحجون عنده ويعبدونه، ويختصمون لديه لفضّ نزاعاتهم وتوحيد صفوفهم، فتجمّعوا حوله ذات يومٍ في خلافٍ دبّ بينهم، إلاّ أنّهم اختصموا وتقاتلوا وتشتّتَ شملهم، فقال شاعرهم:

 

أتينا إلى سعدٍ ليجمع شملنا

فشتّتنا سعدُ، فلا نحن من سعدِ

وهل سعد إلا صخرة بتنوفةٍ

من الأرض لا يدعو لغيٍّ ولا رشدِ.

 

 

هذه ربما هي حال أهل السنّة والجماعة في لبنان مع الرئيس سعد الحريري، وهو الذي فزعت إليه طائفته بعد استشهاد والده الراحل الشيخ رفيق الحريري عام ٢٠٠٥، كذلك التفّ حوله معظم القادة السياسيين الذين حمّلوا أجهزة الوصاية السورية مسؤولية الاغتيال، إلاّ أنّ مسيرة سعد الحريري السياسية ما لبثت أن واجهتها مصاعبُ عدّة، وشوائب كثيرة، وزلّاتٍ شخصية-سياسية خطيرة، لا يمكن الإستهانة بها، لعلّ أبرزها التسوية الرئاسية التي حملت الجنرال ميشال عون إلى سدّة الرئاسة الأولى، وما رافق استقالته من رئاسة الحكومة عام ٢٠١٧، من المملكة العربية السعودية، وعودته عنها التي أربكت علاقاته الشخصية والسياسية مع قادة المملكة، ممّا جرّ عليه نكساتٍ عدّة، ما زالت تداعياتها تتوالى حتى اليوم، وصولاً إلى عزوفه الحالي عن المشاركة في الاستحقاق الإنتخابي في الخامس عشر من شهر أيار الحالي، وهذا أقرب ما يكون إلى زعزعة مكانة أهل السنّة ودورهم المفصلي في الحياة السياسية اللبنانية وتشتيت كلمتهم، وترك الساحة السياسية فارغة ليملأها حزب الله الساعي لوضع يده كاملةً على مفاصل الدولة اللبنانية والبلد برُمّته، حتى إذا حلّ موعد الاستحقاق الدستوري في ١٥ أيار الجاري، وسعد على عزمه وتعنّته بدعوة مناصريه لمقاطعة الإنتخابات، عندها يحقّ لقائلهم أن يردّد قول شاعر بني ملكان:

أتينا إلى سعدٍ ليجمع شملنا

 فشتّتنا سعدُ، فلا نحن من سعدِ.