يبدو أنّ "الرفاق" الذين قرروا "منازلة" الثنائية الشيعية في دائرة الجنوب الثالثة، التي تضم أقضية النبطية حاصبيا-مرجعيون وبنت جبيل ، كانوا على درجة عالية من الحنكة والحصافة والنباهة، مع مسحة ضرورية من المكر والدهاء، عندما جزموا باستبعاد القوات اللبنانية من صفوف لائحتهم الإنتخابية التي ستقف في وجه لائحة الثنائية الشيعية في ١٥ أيار القادم، ومن ثمّ سعوا منذ البداية لمهادنة تلك اللائحة وعدم استفزازها، فضمّنوا برنامجهم الإنتخابي بنداً يحفظ بوضوح، وبلا مواربة الحقوق الحصرية لسلاح حزب الله، تحت ذريعة مقاومة العدو الإسرائيلي، وهكذا اطمئن "المارد" الشيعي على سلامة سلاحه "الشرعي"، وضَمِن "حُسن" التنافس الإنتخابي مع الرفاق "المعارضين" لمنظومة الفساد والمحاصصات، والمُسلِّمين بذات الوقت بشرعية سلاح المقاومة، وهيمنتها على مجمل مفاصل الدولة اللبنانية، وبذلك اطمئنّ الرفاق الشيوعيون وحلفاؤهم لعدم تعرّض لائحتهم للمضايقات الإنتخابية وما شابه ذلك، إلاّ أنّ هذه المهادنة والموادعة والواقعية، وحُسن "التّصرف" لم تخطر جميعها على بال الشيخ عباس الجوهري (مُتصدر لائحة بناء الدولة في دائرةبعلبك-الهرمل) وصحبه عندما قرروا المنافسة الإنتخابية مع الثنائية الشيعية، بالتحالف مع القوات اللبنانية، فوقع المحظور، وخرج التنافس "الديمقراطي" الذي يدعو له الشيخ عباس الجوهري ليل نهار عن مساره الطبيعي، فاستُدعيَ المرشحون الشيعة في لائحة بناء الدولة، الواحد تلو الآخر( ثلاثة من أصل خمسة حتى الآن)، لتلاوة بيانات الإعتذار والتّوبة، والعودة عن الخطأ مع الإستغفار، بعدما اكتشف أحدهم( السيد رامز أمهز) أنّه كان في لائحة، جنباً إلى جنب مع حزب القوات اللبنانية، والعياذ بالله، وآخر وصف نفسه بالإبن البار لعائلة آل مشيك، فنزل عند إرادة العشيرة التي طلبت منه العودة إلى حضن المقاومة، واليوم ظهر آخرهم المرشح الشيعي من آل المصري، ليعلن توبته وانخراطه في سلك المقاومة الأبيّة التي اعتاد عليها آباؤه وأجداده، وهكذا لن يطول الأمر بالشيخ الجوهري ليجد نفسه وحيداً كمسلم بن عقيل، الذي صلّى خلفه الآلاف في مسجد الكوفة، ولدى خروجه منه لاذوا بالفرار عن بكرة أبيهم. سأل رجلٌ أبي حنيفة، فقال: إذا نزعتُ ثيابي ودخلت النهر لأغتسل، فإلى القبلة أتوجه، أفضل ام إلى غيرها؟ فقال: الأفضل أن تتوجه إلى ثيابك لئلا تُسرق