لبنان يمر حالياً بمرحلة ترقب، بانتظار أحداث ثلاث. فالواقع اللبناني سيشهد مراوحة فَرضتها استحقاقات ثلاث ستؤثر نتائجها في مرحلة الصيف المقبل، والتي ستكون حامية من دون شك. الحدث الأول يتعلق بالاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الاميركية وايران، والذي طال انتظاره رغم اعتراف أطرافه جميعاً بأنه أصبح منجزاً باستثناء عقدة رفع العقوبات عن الحرس الثوري. والثاني يتعلق بنتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية نظراً للدور الفرنسي الاساسي في ترتيب التسويات المطروحة حول المرحلة المقبلة في لبنان. اما الحدث الثالث فهو مرتبط بطبيعة الحال بالنتائج التي ستنتجها الانتخابات النيابية اللبنانية، خصوصاً بعد العودة السعودية في هذا التوقيت بالذات الى الملعب اللبناني. فعلى مستوى الاتفاق النووي ما تزال الاوساط المعنية ترى في التعقيدات التي ظهرت حول استثناء فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني من عملية رفع العقوبات الاميركية بأنها تأتي في إطار اختطاف نقاط قبل توقيع الاتفاق. في الوقت الذي تقرأ فيه ايران هذه الخطوة بمثابة الفخ الذي سيعني إقرار ايران بأن فيلق القدس هو مجموعة إرهابية في حال موافقتها على الاتفاق من دون رفع العقوبات عنه. وعلى الرغم من تمترس كل طرف في موقعه من دون إظهار نيته بإمكانية التراجع الى الوراء، الا ان الاوساط المطلعة لا ترى بديلا عن تنازلات متبادلة لا بد ان تحصل. ذلك ان واشنطن تريد هذا الاتفاق وتعتبره انجازا قبل الانطلاق في ورشة اعادة رسم الخارطة السياسية في الشرق الاوسط والتي باتت اكثر إلحاحاً بعد تطورات الحرب الدائرة في اوكرانيا والحاجة المستقبلية لنفط الشرق الاوسط. وتبدو الورشة السياسية في الشرق الاوسط ناشطة تحضيراً للمرحلة المقبلة. ومن البديهي الاعتقاد بأن التعاون في مجال الطاقة يتطلب شرطاً اساسياً وهو ان يكون للاطراف مصالح سياسية مشتركة. والواضح ان واشنطن التي تعمل على استنزاف روسيا واشغالها من خلال تأمين مساعدات عسكرية للجيش الاوكراني، تريد توظيف هذا الوضع لصالحها، لا سيما ان روسيا لاعب اساسي في الشرق الاوسط ومن خلال الساحة السورية. وتكفي الاشارة الى الغارة الجوية الاسرائيلية على وسط سوريا للمرة الثانية منذ بدء حرب اوكرانيا. وفي المقابل، فإن لإيران مصلحة كبرى في العودة الى الاتفاق النووي لأنه سيسمح لها باستعادة الارصدة المالية الضخمة المجمّدة في الخارج والتي تحتاجها الاسواق الايرانية بشدة، اضافة الى ان ارتفاع اسعار النفط الناجِم عن الحرب في اوكرانيا، سيمنح ايران ايرادات مالية كبيرة هي بأمس الحاجة اليها. اما على صعيد الانتخابات الفرنسية فبدت الامور اكثر ضبابية بعد ان كانت استطلاعات الرأي تشير الى فوز سهل لإيمانويل ماكرون وذلك قبل اسابيع معدودة. وفي حال حدوث ما هو غير محسوب، فإن حظ لبنان العاثِر سيعود من جديد، وسيتبدل تماماً المشروع الذي تتولى فرنسا رعايته في لبنان بالتفاهم مع الولايات المتحدة الاميركية وبالتنسيق مع حزب الله وايران من خلال السفيرة في بيروت. هذا البرنامج الذي يلحظ مؤتمراً لرعاية التسوية في لبنان، والتي ستتضمن تعديلات دستورية لا تمس جوهر اتفاق الطائف، بل تقتصر على تصحيح الاخطاء التي ظهرت من خلال ممارسة خلال المرحلة الماضية، كمثل استحداث فقرة دستورية تنص على إمهال الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة ثلاثة اشهر قبل ان تسحب منه مهمة التكليف، وإلزام رئيس الجمهورية ايضا بمهلة زمنية لدعوة النواب لتسمية مرشحهم لتشكيل الحكومة. تبقى محطة الانتخابات النيابية اللبنانية مع عودة السفير السعودي. ولا شك ان لتوقيت عودته علاقة بالاستحقاق النيابي، في الواقع، فسرت الكثير من الأطراف عودة السفيرالسعودي على أنها بمثابةِ تدخل في الشؤون الانتخابية، إلا أن ما تبين هو أن الأمر أبعد من ذلك بكثير. وهنا، فإن المراجع الدبلوماسية والسياسية تتحدث عن دور سعودي كبير لمنع انهيار الدولة في لبنان وهو الأمر الذي تقول المصادر عنه أنه جرى الاتفاق عليه بين الفرنسيين والأميركيين ودول الخليج ، لكن هذه العودة تحمل أبعاداً اخرى منها ما يتعلق بالمؤتمر المزمع عقده في باريس، وايضاً حزمة المساعدات الاقتصادية التي ينتظرها لبنان لمواكبة خطة صندوق النقد الدولي الاصلاحية، والتي تتضمن اعادة بناء الادارة الرسمية اللبنانية المدمرة. وسيتولى صندوق النقد ما يشبه دور الوصاية الدولية لصالح الامم المتحدة في مواكبة لبنان في مرحلة إعادة رسم الخارطة السياسية فيه بموازاة اعادة رسم الخارطة السياسية للشرق الاوسط. لكن لبنان لن يكون ثمناً لتسويات المنطقة كما يروج البعض ، بغض النظرعن حصول الاتفاق النووي او عدم حصوله، ويمكن إدراج زيارة البابا في هذا الاطار ايضاً. ختاماً سيكون مطلوباً انتظار بعض الوقت لتلمّس الاتجاه الإيراني، فهل تجد طهران مصلحة في إبرام الصفقة مع السعوديين قبل اتفاق فيينا أم تفضل مساومة واشنطن عليها، وإبقاء الورقة صالحة للاستخدام في المواجهات الإقليمية