تبقى محطة الانتخابات النيابية اللبنانية مع عودة السفيرين السعودي والكويتي. وهناك من يعتبر ان لتوقيت عودتهما علاقة بالاستحقاق النيابي، لكن هذه العودة تحمل أبعاداً اخرى منها ما يتعلق بالمؤتمر المزمع عقده في باريس، وايضاً حزمة المساعدات الاقتصادية التي ينتظرها لبنان لمواكبة خطة صندوق النقد الدولي الاصلاحية، والتي تتضمن اعادة بناء الادارة الرسمية اللبنانية المدمرة. وسيتولى صندوق النقد ما يشبه دور الوصاية الدولية لصالح الامم المتحدة في مواكبة لبنان في مرحلة إعادة رسم الخارطة السياسية فيه بموازاة اعادة رسم الخارطة السياسية للشرق الاوسط. وفي هذا السياق يحتاج محور الممانعة في لبنان إلى الكثير من الخطوات من أجل تثبيت وضعه في المعادلة السياسية اللبنانية، ولتجاوز ما يعتبره الخطر عليه وعلى موقعه المتفوق في لبنان في السنوات الأخيرة ولا سيما خلال سنوات عهد الرئيس ميشال عون . ما يعتبره العمود الفقري في هذا الفريق أي حزب الله، خطراً على رغم كل الاعتداد بالنفس بأن الجمهور المؤيد للمقاومة وسلاحها سيكون رافعة له في الانتخابات في وجه ما يسميه محاولات الأميركيين أخذ لبنان إلى التطبيع مع إسرائيل عبر البرلمان الجديد هو أن يتحول هذا البرلمان الجديد إلى مجموعة كتل نيابية متناثرة بحيث لا يحصل أي فريق على أكثرية واضحة ومحققة . حزب الله يدرك على رغم خطابه التعبوي الهادف إلى شيطنة خصومه الذين ارتفعت أصواتهم ضد هيمنته على القرار السياسي، عبر اتهامهم بالارتباط بالسفارة الامريكية وبموجة التطبيع العربي مع إسرائيل، في لبنان لا أحد في وارد التطبيع، وليس من القيادات اللبنانية المعارضة أحد في هذا الوارد بل ان بعضاً من خصومه لا يتوانى عن انتقاد تطبيع بعض الدول العربية مع اسرائيل، لكن الحزب يتقصد تجاهل هذا الواقع عن سابق تصور وتصميم من أجل استنهاض جمهوره ضد الخطر الوهمي، كي يحفزه ويأخذه إلى صناديق الاقتراع ليصوت للوائحه وحلفائه ضد هذا الوهم . كل الهدف هو تجاوز مسالة فقدان القدرة على السيطرة على الاكثرية، بعدما ضعفت قدرة حليفه الأول على الفوز بالعدد نفسه من النواب. والدليل أن هذا هو جوهر المشكلة بقول النائب جبران باسيل أنه سيحاسب الذين وصلوا على أكتافنا للنيابة عام 2018 ثم تخلوا عن تكتل لبنان القوي. هو يمنن بعض النواب المستقلين الذين تحالفوا مع التيار ثم انسحبوا منه بعد ثورة 17 تشرين لكثرة ما سئموا من ممارساته ومن سياسات العهد الملحقة بالحزب ومحور الممانعة. ينسى من كثرة حنقه على هؤلاء، أنهم بالقدر الذي استفادوا من أصوات مناصري التيار في العام 2018 استفاد التيار من أصوات هؤلاء المستقلين الذين لهم حضورهم وجمهورهم وأنصارهم فرفدوا لوائحه بأصوات ساهمت في رفع حواصلها الانتخابية وبالتالي في إيصال نواب في التيار أيضاً، تلك الأصوات ستكون في الجهة المقابلة في الانتخابات القادمة . ويدرك حزب الله أن حليفه الأساسي الذي اعتمد عليه منذ انتخاب الرئيس عون بات يفتقد إلى المساندة التي تلقاها ليس فقط من هؤلاء المستقلين، بل من تحالفه مع تيار المستقبل في عدد من الدوائر في المرحلة الذهبية من التعاون بين التيارين البرتقالي والأزرق، حيث جير الأخير أصواتاً سنية على قلتها في بعض الدوائر ذات الأكثرية المسيحية . ومع أن الحزب ينفي أنه يدير المعركة الانتخابية في مناطق غير الدوائر ذات الأكثرية الشيعية، من أجل إبعاد الشبهة بأنه يلعب دوراً مخططاً له في الدوائر السنية والمسيحية كي لا يثير حساسية الجمهور المسيحي خصوصاً، فإنه يراقب تفاصيل الثغرات التي تواجه حلفاءه المسيحيين، ويحاول تجميع نائب من هنا وآخر من هناك، وإسقاط نائب خصم هنا أو هناك، للتعويض عن الخسائر المرتقبة لحليفه المسيحي الأساسي لعله يتفادى تعدد الكتل وتشتتها في البرلمان الجديد. وهو لو لم يكن يخشى تناقص الكتل النيابية الحليفة لما بذل جهداً من أجل ترتيب اجتماع بين باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية على رغم أن ما بينهما أكثر مما صنعه الحداد. فقراءة الحزب أن هناك إمكانية لإسقاط مرشح لحزب القوات اللبنانية إذا حصل تعاون بين حليفيه المتخاصمين. تقوم محاولته على معادلة المصلحة المشتركة في إسقاط مرشح للقوات في دوائر الشمال. وإذ تردد أن اجتماع باسيل فرنجية لم يكن الأول بينهما، فإن وساطة الحزب تقتصر على التعاون ضد مرشحي القوات كخصم مشترك لهما وللحزب معاً بصرف النظر عن التسريبات التي تتم إشاعتها عن أن تشتت الأصوات السنية بعد عزوف زعيم المستقبل سعد الحريري عن الترشح للانتخابات، سيستفيد منها الحزب وحلفاؤه، ليست ثابتة كما يتصور البعض، فإن افتراضات تفوّق محور الممانعة باتت مدار تشكيك في بعض الأوساط المتابعة لتغييرات المزاج السني والمسيحي. وهو ما يجعل صورة نتائج الانتخابات مجهولة . سيلجأ الحزب إلى إضافة عنصر جديد بعد عودة سفيري السعودية والكويت إلى بيروت، وعودة دول الخليج إلى لبنان، إلى خطابه التعبوي لجمهوره .