خلّف الرئيس الراحل رفيق الحريري إرثاً سياسياً كبيراً، وسطّر صفحةً مهمة في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر، بدأت أوائل تسعينيات القرن الماضي باتفاق الطائف، الذي أرسى نهاية الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت لأكثر من ستة عشر عاماً، لتبدأ مرحلة إعادة الإعمار، وكان فارسها المغوار رفيق الحريري، وفترة سلامٍ داخليٍّ مُتعايشة مع وصاية سورية سياسية وأمنية، صحيح أنّ فترة تولّي رفيق الحريري لرئاسة الحكومة لمدة خمسة عشر عاماً، لم تكن ثوباً ناصع البياض، ذلك أنّ هناتٍ وسَقَطات عِدّة شابت فترة الولاية هذه، قبل سقوطه شهيداً في عملية اغتيالٍ مُروعة في الرابع عشر من شباط ٢٠٠٥، إلاّ أنّ إنجازاتٍ عديدة تُحسبُ لصالحه، من ترسيخ السلم الأهلي إلى حلّ الميليشيات وتوحيد صفوف الجيش اللبناني، وإعادة إحياء المؤسسات الحكومية، وهذا ما سينقلب رأساً على عقِب على أيدي من خلفوه في الحكم، خاصةّ بعد انتهاء فترة الوصاية السورية، وبدء فترة الهيمنة الإيرانية على لبنان بواسطة سلاح حزب الله ورعايته. بعد استشهاد الرئيس الحريري قامت في لبنان جماعتان سياسيتان، تتقاسمان الحكم وتتهاوشان فيما بينهما: جماعة ١٤ آذار "السيادية"، وجماعة ٨آذار التابعة للنظام السوري وتيار ما يسمّى بتيار المقاومة والممانعة، وكان نجل الرئيس الراحل رفيق الحريري سعد الحريري أحد أهم أعمدة جماعة ١٤ آذار ومُموّليها، إلاّ أنّه وللأسف الشديد لم تكن له قامة والده الممشوقة في السياسة الداخلية والعلاقات الدولية، وراح يسقط المرّة تلو الأخرى من فخِّ إلى فخ، من زيارة إلى سوريا ولقاء الرئيس السوري بشار الأسد( المتهم بلعب دورٍ ما في عملية اغتيال والده)، إلى عقد اتفاقية الدوحة مع فرسان غزوة السابع من أيار عام ٢٠٠٨، وأصحاب عراضة القمصان السود في شوارع مدينة بيروت، وما لبث بعد إسقاط حكومته عام ٢٠١١ أن قام برعاية حوارٍ ثنائي مع حزب الله، طال أمدُه بلا فائدة ولا جدوى، وأنهى سيل تنازلاته أمام التيار الوطني الحر، الذي سبق واتّهمه بالفساد، ونصّبه راعياً له وحامياً عبر كتاب الإبراء المستحيل، بعقد اتفاقٍ معه قضى بتسليم الجنرال عون رئاسة الجمهورية، وهكذا أمكن لتيار الجنرال عون وصهره جبران باسيل، وبرعاية وحماية سلاح حزب الله التّمدّد في مفاصل الدولة ومؤسساتها كثُعبانٍ يتقلّبُ هانئاً مطمئناً على رملٍ ساخن، وأكمل سعد الحريري فضائله منذ أسابيع قليلة على لبنان واللبنانيين عامة، وعلى أهل السنّة وتيار المستقبل، بترك الساحة السياسية خالية في الإنتخابات النيابية القادمة، ليتمكن حزب الله وحلفاؤه من مدّ أذرعهم للسيطرة والسّطو على المزيد من المقاعد النيابية التي كان يشغلها تيار المستقبل فيما مضى. اليوم، يُسجّل لبعض قادة السّنة في لبنان خروجهم على نهج سعد الحريري المأزوم والمهزوم، وفي طليعة المنتفضين الرئيس فؤاد السنيورة في عرين الجنوب صيدا، والدكتور مصطفى علوش في طرابلس الفيحاء، وبالأمس تمكّن الرئيس السنيورة من تأليف لائحة انتخابية مواجهة في دائرة بيروت الثانية، يقودها القاضي والوزير السابق الدكتور خالد قباني، وتضمُّ ثلّةً من قيادات بيروت الوطنية والسيادية والإصلاحية، فما على من لا يزال يحمل في نبضات روحه ووعيه، قبَساً من روح وفكر وعقل رفيق الحريري، أن ينزل إلى ساحة المواجهة في انتخابات الخامس عشر من شهر أيار القادم، ليقول كلمة الحق والسيادة ويُصوّت للائحة الوزير قباني التي يدعمها ويُزكّيها الرئيس فؤاد السنيورة، لمنع المزيد من التدهور في أحوال أهل السنة، ومعهم أهل لبنان بالإستتباع والإستلحاق، فلا تخافوا ولا تحزنوا ولا تهِنوا وأنتم الأعلون.